ان القانون الدولي هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول التي تدع لنفسها السيادة ولا تعترف بأي سلطة أعلى منها.
إن هذا الادعاء يضفي على القواعد الحقوقية التي تهيمن على هذه العلاقات، صفة مبتكرة تميزها عن القواعد المتعلقة بالقانون الداخلي. فالأشخاص التابعون لهذا القانون يخضعون إلى سلطة تضع القانون وتفرض احترامه، في حين أن الدول وهي أشخاص القانون الدولي، تصدر معا” بعد الاتفاق فيما بينها، الأنظمة التي تعبر عن مصلحتها المشتركة، وتبقى كل واحدة منها حرة في تقدير مدى الالتزام الذي يترتب عليها وشروط تنفيذه. فالقانون الداخلي قانون طاعة وامتثال، يهيمن على الأشخاص الذي يمكن إرغامهم على احترام القانون، بطريق القوة إذا اقتضى الأمر، وبواسطة الأجهزة الإدارية المختصة. أما القانون الدولي، فإنه، على النقيض من ذلك يعد قانون تنسيق يكتفي بتجنيد التعاون بين الدول.
ولما كانت هذه الدول لا تخضع إلى أي سلطة تعلو عليها، فأن اتصالها فيما بينها يتم وفقا” لإدارتها، وتبقى كل واحدة منه صاحبة السيادة في تقدير مدى حقوقها.ومؤدى ذلك أن جميع الدول لا تتصور معنى القاعدة الحقوقية بشكل واحد، وبما أنها تتجه نحو تجزئة مصالحها الرئيسية إلى قيم مقدسة، فإن السلم يصبح أمرا” غير مضمون. ولذلك فإن جميع أنصار السلم قد هاجموا عن طريق القانون فكرة السيادة وهي العقبة الرئيسية لتفوق القانون الدولي على الأشخاص التابعيين له، وهم الدول.
إن هذا الاستدلال يستند إلى منطق لا يقبل الجدل، ولكن السيادة مع الأسف فكرة تاريخية، ومن العسير تغيير التاريخ بمجموعة من الحجج المنطقية. ويجب أن تندمج هذه الحجج بالأحداث بقوة تجعل من الأمر الذي كان طبيعيا” في الأمس، يبدو في اليوم التالي أمرا” تافها”. وقد بدأ هذا التطور اثر الحربين العالميتين اللتين أثبتتا مدى الدمار الذي تؤدي إليه السيادات المنطلقة من عقالها. وعقب النزاع الأول ظهرت بعض المنظمات الدولية، وفي مقدمتها عصبة الأمم وما زال عددها يزداد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ورغم أنه لم يتسن من الناحية العملية، إدراك مدى أهمية هذا الحادث فورا” فقد كان مرماه عظيما” من حيث المبادئ.فإذا انتقلنا من المرحلة الدولية الصرفة المبنية على تنسيق إرادي للسياسات الحكومية، إلى مجتمع منظم فإننا نتوصل إلى نظام مستمد من مفهوم مختلف، يستطيع إيجاد خصائص القانون الداخلي وإعطاء صورة لمجموعة مؤلفة من أجهزة تملك حق التشريع والمحاكمة والتنفيذ. ويجب أن نستبدل ممارسة المهام الاجتماعية بشكل مبعثر بنوع من تركيز السلطات تختلف حدته تبعا” لدرجة التضامن الذي تشعر به الدول المتحالفة.
وبذلك لا يتم التوحيد الذي عبثا «حاول الغزاة فرضه فحسب وأنما تتم أيضا» الوحدة المبنية على موافقة الدول المشتركة لإنشاء سلطة تعلو على سلطتها. والمنظمات الدولية لا تعكس هذا المخطط النظري إلا من بعيد لأنها تستمد وجودها من الدول نفسها. وهذه الدول حريصة على الاحتفاظ بأكبر قسط ممكن من السيادة ولا تتنازل إلا عن أجزاء يسيرة منها إلى المنظمة التي أحدثت بدافع من الظروف. ومهما بدت مساهمة المنظمات الدولية متواضعة من حيث تحقيق وحدة العالم فانها بلغت في الاحداث أهمية بالغة.
ومنذ أولى المدنيات التي ظهرت في حوض البحر الأبيض المتوسط، فإننا نشاهد ذلك النداء المتناقض بين السادة والتحالف. ان تاريخ العلاقات الدولية هو تاريخ ذلك التناوب بين المجتمعات المتجهة نحو التنظيم، وبين الدول التي تتجابه في حروب مستمرة، دون أن تعرف أي نظام سوى الذي تفرضه الدولة الغازية.
ماهي المعاهدات
يشمل قانون المعاهدات الدولي التزامات المعاهدات التي تقبلها الدول صراحة وطوعًا في ما بينها. تعرف اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات مفهوم المعاهدة على النحو التالي:
يُقصد بمصطلح «المعاهدة» اتفاق دولي مكتوب، مبرم بين دول، ويحكمه القانون الدولي، سواء ورد في صك واحد أو في صكين مترابطين أو في أكثر من صك، وأيًا كانت تسميته الخاصة.
حدا هذا التعريف بالسوابق القضائية إلى تعريف المعاهدة بأنها اتفاق دولي يستوفي المعايير التالية:
المعيار رقم 1: ضرورة وجود اتفاق، كاجتماعات الوصايا.
المعيار رقم 2: ضرورة إبرام الاتفاق بين أشخاص القانون الدولي: يستبعد هذا المعيار الاتفاقات الموقعة بين الدول والشركات الخاصة، كاتفاقات تقاسم الإنتاج. لم يكن لمحكمة العدل الدولية، في قضية المملكة المتحدة ضد إيران لعام 1952، اختصاص النظر في نزاع على تأميم شركة النفط الأنجلو-إيرانية لأن النزاع نشأ عن إخلال مزعوم بالعقد بين شركة خاصة ودولة.
المعيار رقم 3: ضرورة تنظيم القانون الدولي للاتفاق: أي اتفاق ينظمه أي قانون محلي لن يعتبر معاهدة.
المعيار رقم 4: وجود الصك غير ضروري: يمكن إدراج المعاهدة في صك واحد أو في صكين أو في أكثر من صك متصل. يُعد تبادل الرسائل أفضل مثال على ذلك. على سبيل المثال، إذا أرسلت فرنسا خطابًا إلى الولايات المتحدة تعلن فيه زيادة مساهمتها في ميزانية حلف شمال الأطلسي، وقبلت الولايات المتحدة الالتزام، فبوسعنا أن نقول أن عملية التبادل تلك قد أسفرت عن معاهدة.
المعيار رقم 5: التسمية غير ضرورية: تسمية المعاهدة، سواء كانت «اتفاقية» أو «ميثاق» أو «اتفاق»، ليس لها تأثير على وصف الاتفاق المذكور بأنه معاهدة.
المعيار غير المكتوب: ضرورة أن يسفر الاتفاق عن آثار قانونية: يُقصد بهذا المعيار غير المكتوب استبعاد الاتفاقات التي تستوفي الشروط المذكورة أعلاه، ولكن لا يُقصد بها أن تسفر عن آثار قانونية، كمذكرات التفاهم.
تقع على عاتق المحاكم، إذا ما نشأت منازعات بشأن المعنى الدقيق للقوانين المحلية وتطبيقها، مسؤولية البت في معنى القوانين. يقع التفسير، في مجال القانون الدولي، في نطاق الدول المعنية، ولكن يمكن أيضًا أن يُخول للهيئات القضائية كمحكمة العدل الدولية، بموجب أحكام المعاهدات أو بموافقة الأطراف. في حين تقع على عاتق الدول، على نحو عام، مسؤولية تفسير القانون بأنفسها، توفر الإجراءات الدبلوماسية ووجود أجهزة قضائية فوق وطنية المساعدة بصورة روتينية لتحقيق هذه الغاية.
تنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، التي تدون مبادئ أساسية عديدة لتفسير المعاهدات، على أن المعاهدة «تُفسر بحسن نية تبعًا للمعاني العادية التي تتخذها تعابير المعاهدة في السياق الوارد فيه وفي ضوء موضوع المعاهدة وغرضها». يمثل ذلك حلًا وسطًا بين ثلاث نظريات تفسير مختلفة:
النهج النصي، وهو تفسير مقيد أو متشدد، ينظر إلى «المعنى الظاهر» للنص، ويولي وزنًا كبيرًا للنص الفعلي.
النهج الذاتي، الذي يأخذ في الاعتبار عوامل كالأفكار الكامنة وراء المعاهدة، وسياق إنشائها، وما قصده صائغو المعاهدة.
النهج الفعال، الذي يفسر المعاهدة «في ضوء غرضها ومقصدها»، أي على أساس أفضل ما يناسب هدف المعاهدة.
ما تقدم هو قواعد عامة للتفسير، ولا يستبعد تطبيق قواعد محددة في جوانب معينة من القانون الدولي.
Views: 4