في ساحة المشجعين المطلة على نهر الفولغا، بمدينة فولغوغراد الروسية، جلست ناتاشا (20 عاماً) على الأرض العشبية أمام الشاشة العملاقة التي تنقل مباريات بطولة كأس العالم، التي تستضيفها روسيا في الفترة من 14 يونيو حتى 15 يوليو 2018.
ناتاشا هي من محبي نجم كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وجاءت إلى هذه الساحة في 26/6/2018، من أجل المشاركة في تشجيع منتخب التانغو أمام نظيره النيجيري.
لكنَّ قلب هذه الفتاة التي تهوى الرسم، كان يحمل لوحة من نوع آخر، قصة حب عابرة للقارات تربطها بهذا الشاب اليمني، الذي شاءت الظروف أن يتجه إلى مدينة فولغوغراد تحديداً من أجل دراسته الجامعية، فوجد في انتظاره نصفه الآخر.
هذا اليمني أول حب لها، «أنا أحبه جدا جدا.. هو أول حب لي، وأعظم ما حدث لي على الإطلاق»، هكذا تقول ناتاشا، التي كانت تنتظر بداية المباراة، وشبح ابتسامة خفيفة على وجهها يعكس كيف انتقل عقلها إلى ذكريات 3 أعوام مضت. جمعت الصدفة بينهما في ذلك الوقت عندما تقابلا في العام الأول لكل منهما بجامعة فولغوغراد «Volgograd Polytechnic University»، حيث وقع أحدهما في غرام الآخر من أول نظرة، على حد تعبيرها، وعمر كل منهما 17 عاماً فقط حينها.
اسمه عبد الرزاق عبيد، ويبلغ من العمر حالياً 20 عاماً أيضاً. وتصفه ناتاشا بأنه طيب وعطوف وكان دائم الاهتمام بها ورعايتها، «ليس لي فقط، لكنه كان يحب كل مَن حوله ويساعدهم، ولا يتوانى عن صرف الأموال لمساندة الآخرين»، حسب قولها.
«لا أنكر أن كونه عربياً أصابني ببعض القلق والمخاوف، لكن مع مرور الوقت زالت هذه المشاعر وحلَّ محلها الحب»، وأضافت بأن أسرتها اعترضت في البداية على هذه العلاقة بينهما، وظل هذا الاعتراض موجوداً خلال العام الأول، لكن مع مرور الوقت اقتنع أهلها بأنه قَدَرها بالفعل.
والدته قالت لها إنها ستكون الزوجة المناسبة له.
تدرس ناتاشا بمجال العقارات، في حين يدرس عبد الرزاق الهندسة المعمارية، «لكنه طالب فاشل» تقولها بضحكة كبيرة، مضيفة أنه عندما كان في اليمن كان يحب ممارسة كرة القدم وحاول احترافها والانضمام إلى فرق محلية، لكن والده رفض هذا الأمر بتاتاً.
في البداية، درس عبد الرزاق اللغة الروسية في سنة تمهيدية قبل بداية دراسته، لذلك كان يعرف بعض الروسية التي ساعدته على التواصل مع ناتاشا، التي بذلت مجهوداً لا بأس به لمساعدته على تطوير نطقه بالروسية.
«لا أعرف بالضبط لماذا اختار روسيا للدراسة، لكني كلما سألته عن السبب قال إني جئت إلى هنا كي ألقاك». بالنسبة لناتاشا، هذا يكفي ولا تحتاج إلى أي تفاصيل أخرى.
تواصُلها مع أسرته حدث من خلال مكالمات الفيديو عبر الإنترنت، «عندما رأتني والدته أخبرتني بأنني سأكون الزوجة المناسبة بالتأكيد». يتبقى لناتاشا عام واحد بالجامعة، في حين يتبقى لعبد الرزاق عامان. وبالنسبة لفكرة الزواج، فهي مطروحة، لكنها لا تريدها بجدية قبل مرور عامين أو ثلاثة مقبلة، ففي جميع الأحوال هي صغيرة نسبياً بالنسبة لهذه الخطوة التي ستغير حياتها.
حالياً يوجد عبد الرزاق في اليمن بعدما قرر منذ أيام قليلة مفاجأة أسرته بأول زيارة لهم منذ مجيئه إلى روسيا. هما لم يتحدثا من قبلُ عن مستقبلهما من حيث مكان الإقامة وطبيعة حياتهما بعد التخرج. بالنسبة لناتاشا، فهي لا تريد البقاء في روسيا، لكن بالطبع لا يمكنهما الإقامة باليمن في ظل هذه الظروف الصعبة والاقتتال الأهلي هناك.
* اعتمدا بداية على خاصية الترجمة الفورية في التواصل:
بالنسبة لمدينة فولغوغراد، مسقط رأس ناتاشا ومحل إقامتها ودراستها، فهناك أزمة كبيرة بهذه المدينة ذات المليون نسمة. هذه المدينة كانت تُدعى سابقاً ستالينغراد، وهي المدينة التي وقفت في وجه هتلر والنازيين خلال الحرب العالمية الثانية، وتمكنت من وقف تقدمه باتجاه موسكو وبقية الأراضي الروسية بعد التضحية بقرابة مليوني شخص على مدى عدة أشهر.
لكن، كان لهذا الإنجاز ثمن فادح للغاية؛ إذ تغيرت الطبيعة الديموغرافية من ذلك الوقت وحتى الآن. فوفقاً لآخر إحصائية رسمية عام 2017، يزيد عدد النساء على عدد الرجال في المقاطعة بالكامل، البالغ تعدادها 2.5 مليون نسمة بمقدار 188 ألف، وهو ما جعل هناك أزمة حقيقية للنساء في الحصول على الزوج المناسب، خصوصاً إذا ما عرفنا أن عدداً كبيراً من الرجال هم من مدمني المشروبات الكحولية، وعندهم مشاكل في تحمل المسؤولية.
تصف ناتاشا نفسها بأنها قادمة من أسرة فقيرة، وحتى عبد الرزاق لم يأتِ من أسرة غنية، لكنها متوسطة الحال، إذ يعمل والده موظفاً بوزارة الزراعة اليمنية.
ناتاشا لا تعرف اللغة الإنكليزية كأغلب سكان روسيا، وطريقة الحوار معها تمت عبر استخدام خاصية الترجمة الفورية لتطبيق ترجمة جوجل
ارتداء الحجاب
عرض عبد الرزاق على ناتاشا إمكانية ارتداء الحجاب، لكنها رفضت الأمر وأصرت على أسلوبها في ارتداء الملابس؛ لأنها تحبه. عبد الرزاق أخبرها قبل سفره بأنه سيحضر لها حجاباً معه من اليمن. «بالنسبة لي، هذا أمر محسوم، أنا لن أرتدي الحجاب، وإذا أصر على هذا فربما عليه أن يبحث عن فتاة أخرى عربية»، هكذا تجيب بلهجة حاسمة.
تقول إنه يصاب بكثير من الغيرة عندما يرى شباباً ينظرون إليها وهي ترتدي الملابس المكشوفة مثل الهوت شورت، لكنها أضافت بثقة، أنه هو نفسه يحب رؤيتها بهذه الملابس كثيراً.«أنا أحبه جداً جداً»، هكذا تخبرنا، مضيفة وهي تضحك: «لن أضربه مثلما تفعل الزوجات الروسيات الأخريات بالتأكيد».
ناتاشا في اللغة الروسية تعني «الحكيمة والفطرية»، وربما هذا ما يعكس بعض إجاباتها، التي تبدو أكبر من سنها وهذه الملامح الطفولية على وجهها. سألناها عما ستفعله إذا ما ظهرت امرأة أخرى روسية وأرادت أن تخطف حبيبها؟ توقعنا أنها ستقول شيئاً على غرار أنها لن تسمح بهذا مطلقاً أو أنها مستعدة للقتال، أو غيرها من مثل هذه الإجابات التي تحمل الكثير من العاطفة المعروفة عند النساء، لكن إجابة ناتاشا كانت مختلفة: «سأترك له الاختيار. إذا ما كان يريد أن يتركني فسأدعه يذهب، كيف لي أن أحتفظ برجل لا يحبني؟!.. أريد أن يكون زوجي صادقاً وأن يحبني».
تقول إنها لا تعلم عما تحتاجه النساء الأخريات، «لكن بالنسبة لي، أنا أريد أن يكون زوجي صادقاً وأن يحبني، وسأمنحه هذه الأشياء نفسها في المقابل».
«لا يوجد من هو أفضل من عبد الرزاق بالنسبة لي، ولا يمكنني أن أرى أحداً آخر مكانه. ربما أبحث عن مغادرة روسيا، لكنني لا أسير وراء المال مثلما تفعل غالبية الفتيات الروسيات اللاتي يرين في أي عربي رجلاً غنياً وفرصة ملائمة».
لا تخشى ناتاشا كثيراً من المستقبل، فهي تفضل أن تسير الأمور في إطارها الطبيعي. بالنسبة لها، فهي قد وجدت حب حياتها الذي ظل صامداً طوال 3 أعوام مع مباركة كلتا الأسرتين، ومن ثم تسير الأمور على أكمل وجه حتى الآن. بالتأكيد، هناك تحديات قادمة، ومعها سيظهر مدى قوة هذا الحب، الذي سيوضع عدة مرات موضع الاختبار، فملفات مثل الدين والحجاب وبلد الإقامة لا تزال لم تُحسَم بعد.
Views: 9