لقد كبد المجاهدون المحتلين خسائر لا تحصى في الأرواح والعتاد، وثبتوا أمام عدوهم مع أنهم لا يمتلكون سلاحًا كما يملك عدوهم من السلاح، لقد حارب عمر المختار الطائرة بسيفه حتى امتلك الخوف قلوبهم بمجرد سماع اسم عمر المختار. ومن معاركه التي خاضها مع الطليان المحتلين:
“”معركة فزان””
كانت القيادة الايطالية حريصة على الاستيلاء على فزان فخرجت في أواخر يناير 1928م قوتان.. احدهما من غدامس والأخرى من الجبل الأخضر، وكان الجيش بقيادة غراسياني والتحم المجاهدون مع ذلك الجيش في معركة دامية استمرت خمسة أيام بتمامها، انهزم فيها الطليان شر هزيمة فتقهقروا تاركين ما لديهم من مؤن وذخائر ثم ما لبث أن خرجت قوة أخرى قصدت فزان مباشرة، فعلم المجاهدون بأمرها بعد خروجها بثلاث أيام وانسحبوا إلى الداخل، حتى إذا وصل هذا الجيش الجديد إلى مكان يقع بين جبلين يعرفان بالجبال السود انقض المجاهدون على الطليان وأرغموهم على التقهقر، فعمل قواد الحملة إلى الفرار بسياراتهم تاركين وراءهم الجيش، الذي وقع أكثره في قبضة المجاهدين، فاستأصلوهم عن آخرهم، وعندئذ لم يجد الطليان مناصا من أن يجددوا محاولتهم فخرجت هذه المرة قوات عظيمة من جهات متعددة غير أن الطليان ما لبثوا أن انهزموا في هذه المعارك وتركوا وراءهم غنائم وأسلابًا كثيرة
“”معركة أم الشافتير (عقيرة الدم)””
استمر المجاهدون في الجبل الأخضر يشنون الهجمات على القوات الإيطالية وحققوا انتصارات رائعة من أشهرها موقعة يوم الرحيبة بتاريخ
28مارس 1927م جنوب شرقي المرج قرب جردس العبيد ووقعت بعد معركة الرحيبة معارك ضارية في بئر الزيتون 10 محرم 1335هـ/ 10 يوليو 1927م، وراس الجلاز 13 محرم 1335هـ/ 13 أكتوبر 1927م.
أراد الإيطاليون أن ينتقمون لقتلاهم في معركة الرحيبة، فشرعت تعد العدة للانتقام لقتلاها الضباط الستة وأعوانهم المرتزقة البالغ عددهم (312) في محاولة لإعادة معنوياتهم المنهارة نتيجة لتلك الهزيمة الساحقة تمّ إعداد الجيوش الجرارة، لتتخذ من الجبل الأخضر قاعدة لها على النحو التالي:
1- الجنرال مازيتي القائد العام للقوات الإيطالية قائدًا لإحدى الفرق فوق الجبل الأخضر 8 يوليو من مراوة: أربع فرق أرترية – فرقة ليبية – أربع فرق – خيالة – بطارية أرترية.
2- الكورنيل اسبيرا إنذائي: 8 يوليو من الجراري (جردس الجراري) أوجردس البراعصة أربع فرق أرترية – فرقة ليبية – بطارية ليبية – فرقة غير نظامية.
3- الكورنيل منتاري: 8 يوليو من خولان – فرقة أرتريا – فرقة غير نظامية.
4- الماجور بولي: 9 يوليو غوط الجمل – فرقة مهما ريستا – فرقة سيارات مصفحة – نصف فرقة ليبلير – فصيلين قناصة على الدبابات.
ويضاف إلى تلك الاستعدادت سلاح الطيران الذي انطلق من قواعده بالمرج ومراوه وسلنطة.
لقد كانت قوات الايطاليين ضخمة مما تدلنا على خوفهم ورهبتهم من قوات المجاهدين.
كان عدد المجاهدين مابين 1500 إلى 2000 مجاهدًا منهم حوالي 25% من سلاح الفرسان ويرفقهم حوالي 12 ألف جمل وما يثقل تحركاتهم من النساء والأطفال والشيوخ والأثاث علمت ايطاليا بواسطة جواسيسها بموقع المجاهدين في عقيرة أم الشفاتير فأرادت أن تحكم الطوق على المجاهدين فزحفت القوات الايطالية نحو العقيرة بعد مسيرة دامت يومين كاملين واستطاعت أن تضرب حصارًا حول المجاهدين من ثلاث جهات، وبقوات جرارة تكونت من حوالي (2000) بغل و5000 جندي، 1000 جمل بالإضافة إلى السيارات المصفحة والناقلة.
علم المجاهدون بذلك وأخذوا يعدون العدة لملاقاة العدو فأعدوا خطة حربية وقاموا بحفر الخنادق حول أطراف المنخفض ليستتر بها المجاهدون وخنادق أخرى لتحتمي بها الأسر من نساء وأطفال وشيوخ، وتم ترتيب المجاهدين على شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ووضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين، وكان قائد تلك المعركة التقي الزاهد الورع الشيخ حسين الجويفي البرعصي وكان عمر المختار من ضمن الموجودين في تلك المعركة.
كان الشيخ حسين الجويفي ممن تجرد للجهاد في سبيل الله وطلب رحمة الله تعالى وكان يقول: (أنا لا أريد قيادة ولا منصبًا بل أريد جهادًا رغبة في ثواب الله تعالى).
كان ذلك الصنديد محل تقدير من قبل إخوانه قال في حقه قائده الأعلى عمر المختار عقب استشهاده: أتذكر حسين الجويفي عند اللقاء مع العدو أو عند قراءة القرآن الكريم وقت الورد.
كما عرف عنه انه لم يبرح فرسه يومًا أثناء المعركة لينال من أسلاب العدو، بل يتركها للمجاهدين لعفته وقناعته بما يملك من أموال ومواشي.
لقد أسندت إليه قيادة المعركة لمعرفته بشعاب ودروب المنطقة التي كان يسكنها مع كونه احد قادة الجهاد، وأحد المستشارين لعمر المختار، وقائمقام البراعصة والدرسة في فترة سابقة، فكان في تلك المعركة فوق جواده يجوب الميمنة والميسرة والقلب وهو عاري الرأس لا يخشى الموت يوزع صناديق الذخيرة على المقاتلين تارة ويطلق عبارات التشجيع مرة أخرى، ويقوم بتحريك جبهات القتال، وتنظيم هجومات المجاهدين، وترتيب صفوفهم.
وسقط الشهداء واشتدت المعركة، وارتفعت درجة حرارة البنادق بسبب استمرار إطلاق العيارات النارية واستعمل المجاهدون الخرق البالية لتقيهم حرارة مواسير البنادق التي لا تطيقها يد المجاهد. وكان بعض المجاهدين يملك بندقيتين يستعمل الواحد مدة ثم يتركها حتى تبرد ويتناول الأخرى.
وخصص القائد حسين فرقة من المجاهدين للتصدي للمصفحات المهاجمة من الجنوب وعددها ثلاثون مصفحة ولعب كومندار طابور المعية المجاهد سعد العبد السوداني دورًا بارزًا وأظهر شجاعة نادرة بأن قاد تلك الفرقة المواجهة للمصفحات الايطالية وتمكن من تدمير أغلبها مع رجاله وانتزع المجاهد رمضان العبيدي العلم الايطالي من على أحد المصفحات، وبدأ الجيش الايطالي في التقهقر ودخل الرعب نفوس ضباطه وجنوده الذين وجدوا فرصة الحياة في الهروب وبالرغم من قصف الطائرات إلا أن الإيمان القوي، واحتساب الأجر عند الله كان دافعًا مهمًّا لدى المجاهدين.
كانت خسائر المجاهدين في الأرواح 200 شهيد من بينهم القائمقام محمد بونجوى المسماري الذي استشهد في اليوم الثالث أثر إصابته بجرح مميت، وكانت له مكانة عظيمة في نفوس المجاهدين ووالد زوجة عمر المختار الذي بكاءه بكاءً حارًا وقال بعد أن سمع باستشهاده (راحوا الكل يا عين الجيران وأصحاب الغلا).
واستشهد كل من جبريل العوامي، وستة من قبيلة العوامة، ومحمد بو معير الدرسي والشلحي الدرسي، ومحمد الصغير البرعصي وفقد المجاهدون في تلك المعركة عددًا كبيرًا من الابل والمواشي وتم حرق بعض الخيام من جراء الغارات الجوية.
ومكث المجاهدون طيلة الليل يدفنون الشهداء وينقلون الجرحى، وقبل بزوغ الفجر رحلوا عن ذلك الموقع، بهدف الإعداد والاستعداد للقاء العدو في موقع جديد من مواقع القتال وأصبحت القوات الإيطالية كما يقول تيروتسي: (أصبحت الآن منهوكة القوى تخور إعياء من شدة المعارك المستمرة منذ فترة طويلة دون توقف…).
كانت معركة أم الشفاتير بداية نقطة فاصلة في اتباع استراتيجية جديدة عند عمر المختار، وهي ضرورة إعادة تنظيم المجاهدين على هيئة فرق صغيرة، تلتحم مع العدو عند الضرورة، وتشغله في أغلب الأوقات مما يقلل في عدد الشهداء أثناء المعارك ويلحق الخسائر الفادحة بالأعداء وفق التكتيك الجديد لحرب العصابات (اهجم في الوقت المناسب وانسحب عند الضرروة).
لمح عمر المختار بنظره الثاقب ملامح السياسة الفاشستية الجديدة وهي الإبادة والتدمير (للمصالح والرجال)، فاتخذ إجراءات ترحيل النساء والأطفال والشيوخ إلى السلوم لحمايتهم من الغارات الجوية الايطالية، وتيسيرًا لسهولة تحرك المجاهدين وفق ما يتطلبه الموقف الجديد.
كما سُمَحَ لأحد الأخوين بالهجرة للمحافظة على وريث لهما فيما بعد حتى يكون دائمًا هناك من يطالب بحقوقه ويزعج المستعمرين الطليان، وللتعريف بالقضية الليبية بتلك البلدان ونتج عنه فيما بعد تشكيل الجاليات الليبية في الخارج
أيقن الايطاليون أنه لا جدوى من الاستمرار في العمليات العسكرية ضد المجاهدين، مما كان سببًا في توقفها طلية سنة 1928م. لقد تحققت لموسليني ما قاله من قبل: (إننا لا نحارب ذئابًا كما يقول غراتسياني بل نحارب أسودًا يدافعون بشجاعة عن بلادهم..إن أمد الحرب سيكون طويلاً)
من كلمات عمر المختار
“ومن هنا اقول كانت ثلة من المؤمنين قوت وعظمت فى عيون انفسهم اولا ثم فى عيون اعدائهم فقلة مؤمنه تغير ماعجزت عنه جموع المسلمين كغثاء السيل فلا تغتروا بعددكم فلو اننا امنا بالله حق الايمان لغزونا ممالك القوم وأسرنا قلوبهم
انهم حقا ثلة من الاخيار بقيادة المختار الكثير يجهلهم وحسبهم ان الله يعرفهم”.
Views: 1