سورة الكوثر، سورة مكية ترتيبها 108 بين سور القرآن الكريم، هي أقصر سورة في القرآن الكريم بآياتها الثلاث، نزلت بعد سورة العاديات[1].
الكوثر في لغة العرب وصف يدل على المبالغة في الكثرة
أما في الشرع فله معنيان :
المعنى الأول : أنه نهر في الجنة أعطاه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى هو المراد في قوله تعالى : {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ{ ، كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال ” بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة , ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت علي سورة فقرأ . بسم الله الرحمن الرحيم . ( إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها ) , ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير , وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ” الحديث . وعند الترمذيعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت .. الحديث ” وقال الترمذي : إنه حسن صحيح . وصححه الألباني كما في صحيح سنن الترمذي .
المعنى الثاني : أنه حوض عظيم ـ والحوض هو : مجمع الماء ـ يوضع في أرض المحشر يوم القيامة ترد عليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا الحوض يأتيه ماؤه من نهر الكوثر الذي في الجنة ، ولذا يسمى حوض الكوثر والدليل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر ” أن الحوض يشخب ( يصب ) فيه ميزابان من الجنة ” وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها ” كما قال ذلك ابن حجر رحمه الله في الفتح . والله أعلم .
وقد ورد في السنة الصحيحة ذكر صفات النهر الذي في الجنة والحوض الذي في أرض المحشر فمن صفات نهر الكوثر الذي في الجنة : ما رواه البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” بينا أنا أسير في الجنة ، إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال : فضرب الملك بيده ، فإذا طينه أو طيبه مسك أزفر ” وفي المسند عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” أعطيت الكوثر ، فإذا هو نهر يجري على ظهر الأرض ، حافتاه قباب اللؤلؤ ، ليس مسقوفاً فضربت بيدي إلى تربته ، فإذا تربته مسك أذفر ، وحصباؤه اللؤلؤ ” وصححه الألباني في الصحيحة وفي رواية عنه في المسند أيضا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْكَوْثَرِ فقَالَ ” ذاك نهر أعطانيه الله يعني في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر ( الإبل ) قال عمر إِنَّ تِلْكَ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا يَا عُمَر ” وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب
وأما صفات الحوض الذي في أرض المحشر فمنها :
ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبدا ” وفي صحيح مسلم ( 4261 ) عن أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” تُرَى فِيهِ أَبَارِيقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَعَدَدِ نُجُومِ السماء ” َو في رواية : ” أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ ” وفيه أيضا عَنْ ثَوْبَاَن رضي الله عنه أن النبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ ؛ فَقَالَ ” أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ يَغُتُّ ( يصب ) فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنْ الْجَنَّةِ أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالآخَرُ مِنْ وَرِق (فضة ) ”
وأما عن موقع الحوض في أرض المحشر : فقد اختلف العلماء في هذا : فمنهم من قال :إنه يكون بعد الصراط . ومنهم من قال : إنه يكون قبل الصراط وهو قول الأكثر وهو الأرجح والله أعلم لأنه يؤخذ بعض من يرد عليه إلى النار ، فلو كان موقعه بعد الصراط لما استطاعوا الوصول إليه لأنهم يكونون قد سقطوا في النار والعياذ بالله .
وَاللَّهُ أَحْكَمُ، وَبِالصَّوَابِ أَعْلَمُ.
Views: 0