الفجوة المصطنعة المفتعلة بين الدين و العلم لا وجود لها في الإسلام .. فالإسلام دين علم يزدهر بالعلم و الجدل ، و يزداد نضارة بهجوم العقل عليه ، لأنه حق و لا خوف على الحق من جرأة المجترئين .
و هذا الإنفصام المَرَضي في العقلية الشرقية بين معارف العلم و معارف الدين هو انفصام مفتعل روج له الإستعمار ليعزل البلاد المتخلفة غن روح العصر ، و يعزل الدين و يحنطه في داخل الكتب الصفراء ليسهل بعد ذلك طعنه و القضاء عليه كشيء قديم متحفي مهلهل عفى عليه الزمن .
و نأتي بعد ذلك إلى أهم جانب في الدعوة العصرية و هو القدرة على مخاطبة الشباب بأسلوبه و أدواته .
إن الشباب يذهب إلى السينما و المسرح ، و يجلس أمام الراديو و التليفزيون ، و يستمع إلى الأغنية . . فالدعوة العصرية يجب أن تدخل إليه من كل تلك القنوات .
على الدعاة أن يختاروا لدعوتهم القوالب العصرية الجديدة ، فيضعوا أهدافهم في أشكال فيلمية و مسرحية و مسلسلات تليفزيونية و برامج ترفيهية .
و على الدعوة العصرية أن تتجنب الديباجات الكلاسيكية القديمة و العبارات المكررة المحفوظة ، و أن تستخدم العبارة البسيطة المختصرة و النظرة الموضوعية و الأسلوب العلمي الذي يقنع العقل . . و أن تعتمد إلى الاستدلالات الحسية البليغة من واقع الحياة .
{ إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً } .
فلماذا يستحي رجل الدين من استخدام السينما و التليفزيون و المسرح و قصة الحب ليقدم مفاهيمه . . و لماذا يختار أمثلته و شواهده من عصر عثمان بن عفان و معاوية . . و هو يعيش في أكثر العصور خصوبة و ثراء . . و لماذا يقتصر على منبر الجامع في عصر تعددت فيه المنابر الإعلامية ، و أصبح فيه التليفزيون أخطر هذه المنابر جميعاً .
فلماذا نترك هذا المنبر لأعدائنا يروجون فيه للإلحاد و الإنحلال و نسجن أنفسنا داخل قوقعة المسجد .
و على الدعاة العصريين أن يُلِموا إلماماً تاماً بجميع الفلسفات الغربية و الشرقية و الإلحادية ، و المذاهب الإقتصادية و السياسية الجديدة ، و بوجوه قوتها و ضعفها ، و بأساليب الرد عليها بالعلم و الرأي الموضوعي ، و ليس بالسباب و الشتم أو الدعاوى الإيمانية .
إن أسلوب خطبة الجمعة التقليدي لم يعد يُجدي في الدعوة في عصر تيسرت فيه السبل و الأدوات ، و تعددت المغريات التي تسابق رجل الدين إلى قلوب الشباب . .
و أعداء الدين أصبحوا حيتاناً بأسنان ذريّة و عقول إلكترونية . .
و علينا أن نحاربهم بأسلحتهم . . و علينا قبل كل شيء أن نتعلم السباحة في مياههم و لا نسجن الدين في درقة سلحفائية تنادي من على منبر مهجور و في يدها سيف خشبيّ .
بل إن خطبة الجمعة ذاتها عليها أن تتزود بكل ما قلناه من علوم العصر و حيله و أساليبه لتستطيع أن تناقشه و تقوده . . و بمثل ما يتكلم خطيب الجامع من ميكروفون . . عليه بالمثل أن يتكلم مستخدماً كل ما يهبه العصر من معارف و علوم و دهاء .
Views: 0