الكذب المرضي هو سلوك الكذب بشكل قهري، وقد وصف لأول مرة في الأدبيات الطبية في عام 1891، ولكنه يظل موضوعًا مثيرًا للجدل، وقد يكون الفرد فيه مدركًا بأنه يكذب أو قد يعتقد أنه يقول الصدق، وعادة ما تكون القصص والأقوال المكذوبة مبهرة للسامعين، ولكنها لا تتجاوز حدود المعقولية، ولا تكون مبنية على أوهام في ذهن الكاذب ولا ناجمة عن إصابته بالذهان، وقد يعترف بأنها كذب محض عند مواجهته، ويكون الميل عنده للكذب والتلفيق مزمنًا، فلا يكون في ظرفٍ حادثٍ يستدعي الكذب ولا بسبب ضغط اجتماعي عليه بقدر ما هو سمة فطرية في شخصيته.
ومن مزايا الكذب المرضي أن الدافع للكذب والمحفز عليه داخلي في نفس المتحدث وليس لغاية أو سبب خارجي، فمثلاً لا يُعد الكذب على الآخرين للحصول على وجاهة معينة بينهم أو لتحصيل منفعة منهم كذبًا مرضيًا وإن تكرر مرارًا وتكرارً.
فالكاذب يقلب الحقائق فيقرب البعيد ويبعد القريب ويقبح الحسن ويحسن القبيح، قال صلوات الله وسلامه عليه محذرا من الكذب ومما يؤدي إليه:” وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً”. وكم من كذبة أوقعت بين الناس عداوة وبغضاً وكم من كذاب فقد الناس الثقة به وعاملوه على خوف وعدم ثقة. ومن مظاهر الكذب البشعة الكذب على الأبناء، فكثيراً ما يكذب الوالدان على أبنائهما الصغار رغبة في التخلص منهم أو تخويفاً لهم كي يكفوا عن العبث واللعب أو غير ذلك، ولا شك أن هذه صورة سيئة وقدوة أسوأ وإهمال في التربية والتوجيه، فينشأ الطفل على ذلك وقد تلقن الكذب من أمه وأبيه ثم يطالب أن يكون صادقاً!!! زد على ذلك ما أشتهر بكذبة الأول من شهر إبريل وما فيها من تشجيع على الكذب، وأبشع من قول الكذب استحلاله والظن أنه يسامح فيه في الهزل لأن من يدعي حل الكذب على الإطلاق أو في يوم معين فقد أحل أمراً حرمه الله ومعلوم حرمته بين الناس. فلنحذر من هذه العادة القبيحة التي انتشرت بين الناس، ولنعلم أن الكذب كله قبيح وليس هناك كذب أبيض أو أسود كما يهون ويلون البعض الكذب بأن هناك كذبة بيضاء ومتى كان الكذب أبيض وهو يتبرأ منه ويتهرب منه من هو فيه لو قلت للكاذب أنت كاذب لقال لا!!! يكفي خزي في الكذب أن يتهرب من كان فيه وأن لا يوسم للكذب إلا الأراذل من الناس ولذلك نزه الله تعالى وعصم أنبياءه الكرام عن الكذب ليكونوا أسوة لغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين.
أضرار ومساوئ الكذب:
1- باعث على سوء السمعة وسقوط الكرامة وانعدام الثقة فلا يصدق الكاذب وإن نطق بالصدق، ولا تقبل شهادته ولا يوثق بعهوده.
2- يضعف ثقة الناس بعضهم ببعض مما يشيع فيهم أحاسيس التوجس والتنكر.
3- باعث على تضييع الوقت والجهد الثمينين لتميز الصدق من الكذب.
4- له أثار روحية سيئة ومغبة خطيرة.
أنواع الكذب:
1- الكذب الخيالي:
هنا يستخدم الفرد خياله الخصب ولسانه للحديث عن شيء لم يحصل كأن يروي لأصدقائه تفاصيل رحلة لم يقم بها أو يتحدث عن صفات لا يتصف بها في الحقيقة.
2- الكذب الادعائي:
هنا يبالغ الفرد في وصف مثلا تجاربه الخاصة ليحدث لذة ونشوة عند سامعيه وليجعل نفسه مركز إعجاب وتعظيم وينشأ عادة من شعور الفرد بالنقص أو عدم قدرته في الانسجام مع من حوله.
3- الكذب الانتقامي:
أحيانا يكذب الفرد ليتهم غيره باتهامات يترتب عليها عقاب أو ما يشابهه ويحدث هذا بكثرة عند الفرد الذي يشعر بالغيرة من فرد آخر أو عند الفرد الذي يعيش في جو لا يشعر فيه بالمساواة في المعاملة بينه وبين غيره.
4- الكذب الدفاعي:
هنا يكذب الفرد خوفاً مما قد يقع عليه من عقوبة وللتهرب من النتائج الغير سارة لسلوكه وقد يكون سبب الكذب هنا هو أن معاملتنا للفرد إزاء بعض ذنوبه تكون خارجة عن المعقول.
5- الكذب ألعنادي:
أحياناً يكذب الفرد لمجرد السرور الناشئ من تحدي السلطة خصوصاً إن كانت شديدة الرقابة والضغط وقليلة الحنان.
6- الكذب المرضي أو المزمن:
يصل الكذب عند الفرد إلى حد أنه يكثر منه ويصدر عنه أحيانا على الرغم من إرادته بحيث يصبح ظاهرة مرضية مزمنة تحتاج إلى معالجة متخصصة.
طرق علاج الكذب:
الكذب بما أنه سلوك مكتسب فهو لا ينشأ مع الفرد إنما يتعلمه ويكتسبه لذا لابد للوالدين الاعتناء بتربية أبنائهم على الصدق وعلاج حالات الكذب التي تنشأ لدى أطفالهم حتى لا تكبر معهم فتصبح جزءاً من سلوكهم فيصعب عليهم التخلص من أفته ولعلاج هذه الظاهرة نتبع الآتي:
1- أن تكون البيئة المحيطة بالفرد بيئة صالحة والجميع فيها صادقون ويشكلون قدوة حسنة له ويفعلون ما يقولونه مستذكرين الآية الكريمة: “كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون”. مع تهيئة الأجواء النفسية المريحة في الأسرة فالفرد المطمئن لا يكذب أما الفرد الخائف فيلجأ إلى الكذب كوسيلة للهروب من العقاب.
2- إذا أعترف الفرد بذنبه فلا داعي للقصاص منه لأن من أعترف يجب أن يكافأ على هذا الاعتراف مع التوجيه الدقيق شرط ألا يستمر الوقوع في الكذب.
3- القيام بتشجيع الفرد على قول الصدق.
4- حرى بالآباء والمدرسين التروي في إلصاق تهمة الكذب للطفل قبل التأكد لئلا يألف اللفظة ويستهين بإطلاقها كأن نتهمه بالكذب ثم نسحب هذا الاتهام بعد ذلك، فيضعف من موقفنا التربوي ومن قيمة أحكامنا القابلة للنقض. أضف إلى ذلك الاتهام العشوائي والذي لم يثبت صدقه يشعر الفرد بروح العداء والكراهية تجاه الآخرين وليكن شعارنا كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته وليس العكس.
5- بعض الآراء التربوية تشير إلى أنه من القواعد المتبعة في مكافحة الكذب ألا نترك الفرد يمرر كذبته على الآخرين لان هذا يشجعه ويعطيه الثقة بقدرته على ممارسة الكذب دائماً، فبمجرد إشعارنا له أننا اكتشفنا كذبه فهو سوف يحجم في المرات التالية عن الكذب مع التذكير بأن إنزال العقوبة بعد الاعتراف بذنبه تعتبر عقوبة على قول الصدق فيجب التسليم أن الاعتراف بالخطأ فضيلة.
6- الابتعاد عن تحقير الفرد وأهانته مع تعزيز ثقته بنفسه.
7- مراجعة العيادات النفسية في حالة استمرارية الكذب عند الفرد للتعرف على الأسباب والدواعي اللاشعورية وراء هذا السلوك.
Views: 0