محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك. وقيل: محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن. وقيل: محمد بن عيسى بن سورة بن شداد بن عيسى السلميُّ الترمذيُّ الضرير. وقد وُلِد مطلع القرن الثالث الهجري في ذي الحجة سنةَ تسعٍ ومائتين من الهجرة، في قرية من قرى مدينة ترمذ تسمى (بُوغ)، بينها وبين ترمذ ستة فراسخ.
كان جَدُّه سورة مروزيًّا (نسبة إلى مرو)، ثم انتقل هذا الجد أيام الليث بن سيار إلى (بوغ)، أما السلمي فهو نسبة إلى بني سليم، قبيلة من غيلان.
وقد عاش الترمذي للحديث، ورحل إليه حيثما كان، فأخذ العلم وسمع من الخراسانيين والعراقيين والحجازيين, وهو تلميذ إمام المحدثين الإمام البخاري, وتأثر به أشد التأثر، ولا سيما في فقه الحديث، وناظره، وناقشه.
شيوخ الإمام الترمذي:
عاش أبو عيسى لتحصيل الحديث، وشد الرحال إليه أينما كان، واشترك الترمذي مع أقرانه الخمسة أصحاب الكتب المعتمدة، وهم الإمام البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه في تلقي العلم على يد تسعة شيوخ،
وهم: محمد بن بشار بن بندار، ومحمد بن المثنى، وزياد بن يحيى الحساني، وعباس بن عبد العظيم العنبري، وأبو سعيد الأشح عبد الله بن سعيد الكندي، وعمرو بن علي القلانسي، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن معمر القيسي، ونصر بن علي الجهضمي.
ومن شيوخه أيضًا الذين أخذ عنهم العلم: الهيثم بن كليب الشاشي صاحب المسند، ومحمد بن محبوب المحبوبي راوي الجامع عنه، ومحمد بن المنذر بن شكر.
ملامح شخصية الإمام الترمذي وأخلاقه:
1- كان الإمام الترمذي يحب العلم والارتحال إليه، ومجالسة العلماء، فجاب البلاد يجلس إلى العلماء، وينهل من علومهم المتنوعة.
2- قوة الحفظ.
مؤلفات الإمام الترمذي:
1- الجامع للسنن.
2- العلل الصغرى. وهو من ضمن كتاب الجامع، فهو مدخل له وجزء منه، وبيان لمنهجه. وقد نهل العلماء والفقهاء من جامعه هذا، وذاعت شهرته به. وقد قال الترمذي عنه: “صنَّفت هذا المسند الصحيح وعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبيٌّ ينطق”.
3- كتاب الشمائل المحمدية.
وهذه الكتب السابقة هي التي وصلت إلينا، أما كتبه الأخرى فقد فُقدت، وإنما ورد ذكرها في المراجع، وهي:
1- الزهد.
2- كتاب العلل الكبرى.
3- كتاب التاريخ.
4- كتاب الأسماء والكنى.
الجامع ومنهج الإمام الترمذي المتميز:
تميز جامع الترمذي بأنه وضع فيه مصنفه قواعد التحديث، وكانت في غاية الدقة، وقد جعلها تحت عنوان (كتاب العلل) بحيث أدرجت ضمن أبواب الجامع، وقد ذكر الترمذي في أول كتاب الجامع أن الذي حمله على تسطير هذا المنهج في الجامع من العناية بأقوال الفقهاء وقواعد التحديث وعلله، أنه رأى الحاجة إلى ذلك شديدة، ولأجل هذا الهدف أراد أن يسلك مسلك المتقدمين، وذلك بأن يزيد ما لم يسبقه إليه غيره ابتغاءَ ثواب الله عز وجل.
ومن مزايا الجامع وخصائصه الفريدة التي امتاز بها: أنه يحكم على درجة الحديث بالصحة والحسن والغرابة والضعف على حسب حالة الحديث؛ فيقول بعد إيراد الحديث: حسن صحيح، أو حسن صحيح غريب. وقد يقول: هذا حديث حسن غريب من حديث فلان. وهذا يعني أن الغرابة في الإسناد، وإن كان للحديث روايات أخرى ليست غريبة، فإذا لم ترد طرق أخرى يقول: غريب لا نعرفه من غير هذا الوجه. وإذا كان في الحديث علة بيَّنها، فنراه يقول: هذا الحديث مرسل؛ لأن فلانًا تابعي، فهو لم يروِ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن فلانًا لم يروِ عن فلان، إذ لم يثبت له لُقِيًّا معه.
آراء العلماء في الإمام الترمذي:
قال أبو يعلى الخليل بن عبد الله في كتابه علوم الحديث: “محمد بن عيسى بن سورة بن شداد الحافظ متفق عليه، له كتاب في السنن، وكتاب في الجرح والتعديل، روى عنه أبو محبوب والأَجِلاَّء، وهو مشهور بالأمانة والإمامة والعلم”.
وقال ابن الأثير: “كان الترمذي إمامًا حافظًا، له تصانيف حسنة، منها الجامع الكبير، وهو أحسن الكتب”. وقال الإمام الذهبي: “الحافظ العالم، صاحب الجامع، ثقة، مجمع عليه”. وقال عنه ابن العماد الحنبلي: “كان مُبرَّزًا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان”. وقال عنه الإمام السمعاني: “إمام عصره بلا مدافعة”.
وفاة الإمام الترمذي:
تُوُفِّي الإمام الترمذي (رحمه الله تعالى) ببلدته (بُوغ) في رجب سنةَ 279هـ، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل، وقد أصبح الترمذي ضريرًا في آخر عمره، بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر وصنَّف.
Views: 11