اتيلا الهوني لمن لا يعرفه ..
الهون؛ هم أجداد الأتراك الذين فروا ونُفوا إلى شرق أوروبا قادمين من منغوليا في آسيا الوسطى، وظهروا على حدود أوروبا الشرقية. كان شعباً شديد الضراوة و غَزَوْا القُوط ” قبائل جرمانية “؛ و هزموهم و أجلوهم عن بلادهم، في القرن الخامس حيث جرت تلك الأحداث.
أتيلا الهوني ملك هوني عاش بين عامي كان آخر حكام الهون وأقواهم وأسس في إقليم روسيا وأوروبا إمبراطورية كبيرة الاتساع، عاصمتها في ما يسمى هنغاريا اليوم. امتدت إمبراطوريته من نهر الفولغا شرقا وحتى غرب ألمانيا غربا.
استقر الهون أخيراً عام 370؛ وكان أتيلا آخر ملوك الهون وأقواهم. وُلد في العام 406، وأسس في أوروبا وروسيا إمبراطورية كبيرة الاتساع؛ عاصمتها ” هانغاريا – المجر “.
عمل أتيلا على ضم القبائل البربرية دائمة التّرحال إلى صفه، حيث كانت تتمتع تلك القبائل بقوة هي الأشد فتكاً و خطراً من الناحية العسكرية. لقد عُرف البربر بهجماتهم الخاطفة المميتة، وسرعة انطلاقهم؛ حيث كانوا يغطون مساحة كبيرة من الأراضي في ثوانٍ معدودة.
كانوا يظهرون على أعتاب المنازل بشكل مفاجئ ويقتلون من فيها، بالإضافة إلى أنهم يتميزون باحترافية عالية في الرماية، حيث كان باستطاعتهم رمي الرُّماح و قتل رجل من على ظهر جوادٍ متحرك، على بعد 150 متراً!
عهد أتيلا الدموي ..
كان يؤمن باعتقاد أن الهون هم أسياد الوجود، ولهم مهمة واحدة في الأرض؛ هي إبادة الآخرين سواهم، وأمرتهم بذلك آلهتهم. حين أُحضر له سيفاً صدئاً، اعتبره إشارة له من الإله ” مارس “، إله الحرب عند الرومان؛ الذي يبشره بأنه ملك الأمم، و فاتح البلدان.
فوحّد قبائل البربر، وأوهمهم بتأييد الإله له، فأصبح بذلك أقوى رجال الإمبراطوريات في أوروبا، وملكاً متغطرساً جبّاراً لا يعرف الرحمة لمن يخالفه، حتى لُقّبه رجال الدين آنذاك بألقاب عدّة مثل ” لعنة الرب، أو سوط الله ، عقاب السماء للمخطئين “.في عام 441، عبر أتيلا و جيوشه نهر الدانوب، واستولوا على بلدان مثل ” سرميوم، و سنجديونوم – بلغراد، نيسوس، سرديكا – صوفيا “، و هددوا القسطنطينية نفسها. فأرسل ” ثيدورسيوس الثاني ” _ إمبراطور الإمبراطورية الشرقية ” الرومانية” _ جيشاً لمواجهته.
انهزم الجيش الروماني في تلك المعركة؛ فكان ثمن مواجهة أتيلا غالياً جداً، حيث عُوقب ثيدورسيوس الثاني بدفع جزية مقدارها 2100 رطل من الذهب له سنوياً.
عام 447، دخل الهون جنوبي روسيا، وعاثوا فيها فساداً. نهبوا سبعين مدينة، وساقوا الآلآف من أهلها كعبيد، وأخذوا النساء كسبايا للمقاتلين الهونيين. بعد تلك المعركة؛ بدأ صبر أتيلا في النّفاذ خصوصاً من أخيه ” بلاديا ” الذي كان متواضعاً رؤوفاً رحيماً بمن يستنجد به، و يعفو عند المقدرة، بالإضافة إلى أنه كان ذكياً محبوباً من الأشخاص والقبائل أكثر من أتيلا.
وذات ليلة؛ شَعر أن أخاه سيأخذ منه منصبه، بالإضافة لتصديه المشهد. فقتله أتيلا ذبحاً أثناء نومه بدمٍ بارد. وحين شاع خبر موت ” بلاديا “؛ انشق معظم الهون من صفوف الجيش، وهربوا للإمبراطورية الرومانية الشرقية.
فأرسل أتيلا للإمبراطور ” ثيدورسيوس ” بضرورة تسليم هؤلاء الفارّين، إلا أن الإمبراطور رفض تسليمهم. استمرت تهديدات أتيلا للإمبراطور؛ وهجم الهون عليهم مُخلفين خسائر فادحة، ولم يتركوا سوى دار عبادة واحدة في البلدة التي اجتاحوها. و لم يكن أمام الإمبراطور سبيلاً؛ سوى تسليم هؤلاء الفارّين حفاظاً على ماتبقى من إمبراطوريته.
في العام 450، لم يكتف ” أتيلا ” بالقتال على أراضي الإمبراطورية الشرقية، بل هاجم الجهة الغربية بعد أن بعثت إليه الأميرة ” أناريا ” شقيقة الإمبراطور ” فالنتين ” بخاتم زفاف تطلب منه أن يتزوجها، و يُخلّصها من زواج لا تريده.
كانت العادات الرومانية آنذاك؛ تقضي بأن تدفع العروس مهراً لزوجها المستقبلي. فكان هذا المهر هو نصف الأراضي الرومانية الغربية. رفض الإمبراطور ما يجري، لكن أتيلا كعادته هدده بأن يخرجه من قصره، وفي نهاية الأمر، هاجم إمبراطوريته.
في العام 451، اتجه أتيلا بجنوده البرابرة نحو الإمبراطورية الرومانية الغربية، واجتاحو مدن ألمانيا ودمروها عن بَكْرة أبيها. في الطريق للأميرة ” أناريا “؛ صادف أتيلا إمرأة ” مُتَنسكة ” تدعى ” أورسولا “، فعرض عليها الزواج، لكنها رفضت طلبه هذا.
كرد فعل فوري؛ قام بذبحها، و ذبح نحو 11 ألف مُتَنسكة في دور العبادة. ونهبت القوات الهونية مدينة ” مينز ” الألمانية، وقتلوا جميع سُكانها. بعد ذلك؛ عبر أتيلا إلى بلاد الغال ” فرنسا “؛ فأهلك جميع المدن التي صادفته، وسفك دماء كل من كان يقابله.
في هذه الجهة من أوروبا؛ استطاع قائد الجيش الروماني الغربي إقناع قبائل القوط الغربيين الكارهين أصلاً لأتيلا؛ بالتحالف والوقوف معه في مواجهته. وبالفعل تكونت قوة جيش من الرومانيين، والقوطيين؛ وعلى مشارف مدينة ” أوراليون ” وسط فرنسا؛ دارت أشرس المعارك و الأكثر رعباً في التاريخ القديم، التي عُرفت بمعركة ” شالون “.
استمرت المعركة حتى الظلام، ولم يعد الجنود من كِلاَ الطرفين قادرين على رؤية بعضهم. فحُسم الأمر، وذاق أتيلا مرارة الانهزام لأول مرة في تاريخ حروبه، في معركة شالون. كانت خسائر الهون كبيرة، حتى سالت الدماء أنهاراً، و شرب الجنود المتبقيين الماء ممزوجاً بالدماء من هول ما جرى.
بعد أن عاد لمملكته، تملكه الغضب من نفسه بعد تلك الهزيمة، وأمر بإحضار سروج الخيول وإشعالها بهدف حرق نفسه من هول الغضب الكامن داخله. لكن بعضاً من مستشاريه أقنعوه بالعدول عن ذلك.
بعد تلك المعركة؛ وصلت قوات الهون لمكان آخر على مشارف مدينة روما، وحفاظاً على المدينة والجيش هناك، طلب الإمبراطور ” فالنتين الثالث ” من بابا روما؛ الوساطة بينه وبين أتيلا، وأن يعطيه المال والذهب والهدايا الثمينة عوضاً عن القتال. استجاب أتيلا قائد الجيش الهوني المُنهك القوى، والموبوء بأمراض الطاعون لطلب فالنتين الثالث، وعاد لبودابست مُحملاً بهداياه!
وفاة أتيلا الهوني ..
نهاية هذا الرجل كانت أغرب من حياته كلها. في العام 453، توفي أتيلا الهوني ليلة عُرسه. تزوج من فتاة جرمانية فائقة الجمال، وأُقيمت مراسم الزفاف، وأفرط أتيلا في شرب الكحول تلك الليلة. وفي الصباح لم يخرج أتيلا من غرفته، فقام الحراس بإقتحام الغرفة ليجدوه ميتاً على الأرض، وعروسه تَقْبع في إحدى زوايا الغرفة في حالة صدمة وخوفٍ وحزن.
وُضع أتيلا في 3 توابيت مصنوعة من الذهب والفضة والحديد، ودُفن في مكانٍ مجهول، وأُعدم الأشخاص الذين شاركوا في دفنه حتى لا يُعلم أين يقبع في آخر زمانه.
أخير اً.. يعتبر أتيلا أحد أكثر الملوك قسوة وشراً وطُغياناً في تاريخ أوروبا القديمة، وصاحب سيرة مُشينة سُرِدت من خلال أنانيته المُطْلقة، وسعيه الجليّ خلف المال والذهب والسلطة فحسب. هدد إمبراطوريات كبيرة، ولم يكن أمامهم سوى دفع الذهب والأموال، أو إزهاق أرواحاً كثيرة مُقابل الحصول عليه.
Views: 5