بلغ الإمام أحمد بن حنبل أن أحد تلامذته
يقوم الليل كل ليلة و يختم القرآن الكريم كاملا حتى الفجر …
ثم بعدها يصلي الفجر
فأراد الامام أن يعلمه كيفية تدبر القرآن
فأتى إليه وقال : بلغني عنك أنك تفعل كذا وكذا …
فقال : نعم يا إمام
قال له : إذن أذهب اليوم و قم الليل كما كنت تفعل و لكن اقرأ القرآن و كأنك تقرأه علي ..
أي كأنني أراقب قراءتك … ثم أبلغني غدا
فأتى إليه التلميذ في اليوم التالي و سأله الامام فأجاب :
لم أقرأ سوى عشرة أجزاء
فقال له الإمام : إذن اذهب اليوم و اقرأ القرآن و كأنك تقرأه على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذهب ثم جاء إلى الإمام فى اليوم التالي وقال
لم أكمل حتى جزء عم كاملا
فقال له الإمام : إذن اذهب اليوم ..
وكأنك تقرأ القرآن الكريم على الله عز وجل
فدهش التلميذ … ثم ذهب..
في اليوم التالي جاء التلميذ دامعا عليه آثار السهاد الشديد
فسأله الامام : كيف فعلت يا ولدي ؟
فأجاب التلميذ باكيا : يا إمام … والله لم أكمل الفاتحة طوال الليل
الخشوع في اللغة : هو الخضوع والسكون .
قال تعالى : { وَخَشَعَــــت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسـاً }
[طه : 108]
والخشوع في الاصطلاح :
هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
” أصل الخشوع لين القلب ورقنه وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته ،
فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء،لأنها تابعة له ”
فالخشوع محله القلب ولسانه المعبر هو الجوارح .
فمتى اجتمع في قلبك أخي في الله
صدق محبتك لله وأنسك به واستشعار قربك منه ، ويقينك في ألوهيته وربوبيته ،وحاجتك وفقرك إليه .
متى اجتمع في قلبك ذلك ورثك الله الخشوع وأذاقك لذته ونعيمه تثبيتاً لك على الهدى ،
قال تعالى : { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد: 17]
وقال تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت :69].
أن الخشوع في الصلاة ،هو توفيق من الله جل وعلا ،
يوفق إليه الصادقين في عبادته ،المخلصين المخبتين له ،العاملين بأمره والمنتهين بنهيه.
فمن لم يخشع قلبه بالخضوع لأوامر الله خارج الصلاة ،
لا يتذوق لذة الخشوع ولا تذرف عيناه الدموع لقسوة قلبه وبعده عن الله.
قال تعالى : { ِانَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45] ،
فالذي لن تنهه صلاته عن المنكر لا يعرف إلى الخشوع سبيلاُ ،
ومن كان حاله كذلك ، فإنه وإن صلى لا يقيم الصلاة كما أمر الله جل وعلا*،
قال تعالى :{ َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ *وَإِنَّهَا لَكَبِيـرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِيـنَ }
[البقرة : 45].
واعلم أخي المسلم بأن الخشوع واجب على كل مصل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
ويدل على وجوب الخشوع قول الله جل وعلا ،
قال تعالى :{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِـــمْ خَاشِعُـــونَ }[المؤمنون:1-2] .
اجتهد وفقك الله لكل خير ، واصدق مع الله في أمور كلها و لا سيما الصلاة ،
لأنها عمود الدين ، واعلم أن الخاشعين على مراتب وأحوال ،
فليس كل باك خاشع
وليس كل خاشع مطمئن ،
وإنما مرد ذلك كله إلى علام الغيوب والمطلع على ما في الصدور ،
وفقنا الله وإياك إلى الإخلاص في العمل ،
والبعد عن الخطايا والزلل .وصلى الله وسلم محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،
و الحمد لله رب العالمين ….والله تعالى أعلم
اللهم إرزقنا لذه الخشوع والتدبر في الصلاة وإجعلنا ممن يصلي ليرتاح بها
سبْحانَك اللَّهُمّ وبحَمْدكَ أشْهدُ أنْ لا إله إلا أنْت أسْتغْفِركَ وَأتَوبُ إليْك.
Views: 114