الأسرى في الاصطلاح:
“هم المقاتلون من الكفار إذا ظَفَرَ المسلمون بأَسْرِهِم أحياء”.
وهذا التعريف يخصُّ حالة الحرب فقط، لكن بتتبِّع استعمالات الفقهاء لهذا اللفظ يتبيَّن أنَّهم يُطلقونه على كل من يُظفَر بهم من المقاتلين ومَنْ في حُكمِهم، ويُؤخَذون أثناء الحرب أو في نهايته، أو من غير حرب فعلية، ما دام العَدَاءُ قائمًا والحرب محتملة، ويُطلق الفقهاء لفظ الأسير أيضًا على من يَظْفَرُ به المسلمون من الحربيّين إذا دخلوا دار الإسلام بغير أمان، وعلى من يَظفرون به من المرتدِّين عند مقاتلتهم لن، كما يطلقون لفظ الأسير على المسلم الذي ظَفَر به العدوُّ.
تعريف الاسير:هو شخص، سواء كان مقاتلاً أو غير مقاتل، تم إحتجازه من قبل قوى معادية له خلال أو بعد النزاع المسلح مباشرة. يُحتجز أسرى الحرب لمجموعة من الأسباب المشروعة والغير مشروعة كذلك، مثل عزلهم عن رفاقهم المقاتلين الذين لا يزالون في الميدان، أو التدليل على انتصار عسكري. وقد يكون احتجازهم لمعاقبتهم، أو محاكماتهم لارتكابهم جرائم حرب، استغلالهم للأعمال الشاقة، أو حتى تجنيدهم كمقاتلين واستمالتهم إلى المعتقدات السياسية أو الدينية الجديدة.
أسرى الحرب
نظرًا إلى قِدَمِ الحرب واشتعالها بين بني البشر كثيرً، كان لابُدَّ أن يصبح أحد الأطراف غالبًا والآخر مغلوبً، وهذا الغالب يستولي على ما للمغلوب، بل وعلى المغلوب نفسه إن استطاع ذلك، وأولاده أيضً، وهو ما يُسَمَّى بالأَسْرِ والسَّبْي.
وفي هذه الحالة يصبح الأسير فاقدًا لحرِّيَّته، يتبع آسِرَه، ولا يملك من أمر نفسه شيئًا؛ لذا يتوقَّف مدى العناية التي يحصل عليها الأسير على ضميرِ ودِينِ وأخلاقِ آسِرِه.
وقد تعدَّدت وتنوَّعت أساليب التعامل مع الأسرى من ديانةٍ إلى أخرى، ومن مجتمعٍ إلى آخر، ومن زمنٍ إلى آخر.
كيف كان يتعامل اليهود مع أسرى الحرب
يعتقد اليهود أنهم أرقى الشعوب، وأنهم يتميَّزون عن سائر الأجناس، كما يعتقدون أنَّ تميُّزهم هذا إنما هو نعمة من الربّ قد وهبها لهم، وقد جاء في سِفْرِ التثنية من التوراة المحرَّفة: “أنتم أولاد الربِّ إلهكم؛ لأنَّكم شعبٌ مُقَدَّسٌ للرب إلهك، وقد اختارك الربُّ لكي تكون له شعبًا خاصًّا فوق جميع الشعوب على وجه الأرض”.
وانطلاقًا من هذه النظرة يعتقد اليهود أن الوسيلة المُثْلَى لتحقيق وعد الربّ لهم باسترقاق شعوب الأرض هي الحرب، ومن هنا كانت حروب اليهود ضدَّ غيرهم حروبًا تدميرية، والهدف منها الإبادة للبشر أو استعبادهم وإذلالهم، ويستشهدون لذلك بنصوص في كتبهم: “فتضرب سكان تلك المدينة بحدّ السيف، وتحرِّمها –التحريم بمعنى القتل– بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف.. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحته، وتحرق بالنار المدينةَ وكل أمتعتها كاملة للربّ إلهك؛ فتكون تلاًّ إلى الأبد لا تُبنَى بَعْدُ”.
وحتى إذا عقد اليهود الصلح مع أعدائهم، فإنهم بهذا الصلح يستعبدون عدوّهم ويستبيحون أرضه، ولا يكون لهم من هذا الصلح إلا اسمه فقط لا حقيقته، وقد جاء في سِفْرِ التثنية:
“حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح؛ فإِنْ أجابتْك على الصلح، وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، ويُستعبد لك.. وإنْ لم تُسالمك بل عَملتْ معك حربً، فحاصرْه، وإذا دفعها الربّ إلهك إلى يدك؛ فاضرب جميع ذكورها بحد السيف”[5].
وكما يكون اليهود في حروبهم وحوشًا وسيلتهم التسخير وغايتهم التدمير؛ فإنهم كذلك في أعقاب الحروب لا يخضعون لقاعدةٍ في الأسر والسبي: “إذا خرجت لمحاربة أعدائك، ودفعهم الربّ إلهك إلى يدك، وسبيت منهم سبيً، ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة، والتصقت به، واتخذتها لك زوجة؛ فحين تُدخِلُها إلى بيتك تحلق رأسه، وتقلم أظافره، وتنزع ثياب سبيها عنها .
وهكذا كان اليهود يتعاملون مع أسراهم، مما يُنْبِئ عن نفسيَّةٍ ملأها الحقد على الغير، واستبدَّ بها حُبُّ الإفساد في الأرض، فكان هذا هو منهجها في التعامل مع أسرى الحرب.
كيف كان يتعامل الرومان مع أسرى الحرب
لم يختلف وضع الدول العالمية عن سابقه في تعاملهم مع الأسرى؛ إذ كان مصير الأسير أن يُذبح أو يُقدَّم قرابين للآلهة، ثم رُؤِيَ بعد ذلك الانتفاع بهم، فحَلَّ الاسترقاق محلَّ القتل، وصار الأسرى يُستعبدون، ويُتَّخَذُون للبيع والشراء!
ومن أمثلة الأمم التي عاملت الأسرى بقسوة لا هوادة فيها: الفُرْس والإغريق؛ فقد كانوا يُنَكِّلون بأسراهم، ويعرّضونهم للتعذيب والصلب والقتل .
ولقد منح القانون الروماني للمالك الحق في إماتة عبده أو استحيائه، وكَثُرَ الرقيق في عهدهم حتى ذكر بعض مؤرخيهم أن الأرقاء في الممالك الرومانية يبلغون ثلاثة أمثال الأحرار .
أما العجيب فهو أنهم (أي الرومان) كانوا يستخدمونهم أيضًا كوسائل للترفيه والتسلية؛ فكانوا يضعون هؤلاء الأسرى مع الوحوش المفترسة في أقفاص مغلقة، بينما يستمتع الأمراء والوزراء بمشاهدة الوحوش وهي تفترسهم !!
والأنكى من ذلك ما حدث على سبيل المثال في عهد الإمبراطور (فسبسيان)، حيث حاصر الرومانُ اليهود في القدس وكان اليهود يسمونها أورشليم لمدة خمسة أشهر، انتهت في سبتمبر سنة 70 ميلادية، ثم سقطت المدينة في أشدّ هزيمة مُهينة عرفها التاريخ؛ حيث أمر الرومان اليهودَ أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم بأيديهم، وقد استجاب اليهود لهم من شدّة الرعب، وطمعًا في النجاة!!
ثم بدأ الرومان يجرون القرعة بين كلِّ يهوديَّين، ومن يَفُزْ بالقرعة يقوم بقتل صاحبه، حتى أُبِيد اليهود في القدس عن آخرهم، وسقطت دولتهم، ولم ينجُ منهم سوى الشريد وأولئك الذين كانوا يسكنون في أماكن بعيدة !!
معاملة الهنود للأسرى
وفي الهند كان الأسير يقع ضمن الطبقة الرابعة والأخيرة في تقسيم طبقات المجتمع عندهم، وهي طبقة شودر، وهم المنبوذون، والذين هم أَحَطُّ من البهائم، وأذل من الكلاب، ويُصَرِّحُ القانون بأنّه من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة (طبقة الكهنة والحكام) دون أَجْر!! وكفَّارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والبومة مثل كفارة قتل الشودر سواء بسواء!!.
كيف يتعامل العرب مع الأسرى
ما فَتِأَت الحرب تشتعل بين حين وآخر بين القبائل العربية بدافع العصبية والقَبَليّة.
ومَّما لا شَكَّ فيه أنَّه كان لهذه الحروب المستمرَّة نتائج وَبِيلَة على الفريق المنهزم؛ وذلك لما يترتَّب على الهزيمة من سبي النساء والذرِّيَّة والرجال إن قُدِر عليهم، وقد يتم قتلهم، أو استرقاقهم وبيعهم عبيدً، ولم يكن هناك ما يُسَمَّى بالمنِّ عليهم أو إطلاق سراحهم دون مقابل، فقد كانت تلك الحروب تُمثِّل أَحَدَ الروافد الأساسيَّة لتجارة العبيد التي كانت إحدى دعامات الاقتصاد في الجزيرة العربيَّة، وقد استمرَّت هذه الحروب بين القبائل العربيَّة حتى غلب عليها الإسلام، مثل حروب الأوس والخزرج في المدينة، وبكر وخُزَاعة قُرْبَ مكة وغيرها.
Views: 577