الذي رأى قطة تتلصص على مائدة .. في خلسة من أصحابها ثم تمد فمها .. لتلقف قطعة سمك .الذي رأى مثل تلك القطة و نظر إلى عينيها و هي تسرق لن ينسى أبداً تلك النظرة التي ملؤها الإحساس بالذنب ..
إن القطة و هي الحيوان الأعجم تشعر شعوراً مبهماً أنها ترتكب إثماً .. فإذا لحقها العقاب و نالت ضربة على رأسها فإنها تغض من بصرها و تطأطئ رأسها و كأنها تدرك إدراكاً مبهماً أنها نالت ما تستحق ..
هو إحساس الفطرة الأولى الذي ركبه الخالق في بنية المخلوق .. إنه الحاسة الأخلاقية البدائية نجد أثرها حتى في الحيوان الأعجم ..
و القط إذ يتبرز ثم ينثني على ما فعل و يهيل عليه التراب حتى يخفيه عن الأنظار ..
ذلك الفعل الغريزي يدل على إحساس بالقبح و على المبادرة بستر هذا القبح ..
ذلك الفعل هو أيضاً فطرة أخلاقية لم تكتسب بالتعلم .. و إنما بهذه الفطرة ولد كل القطط ..
و بالمثل غضبة الجمل بعد تكرار الإهانة من صاحبه و بعد طول الصبر و التحمل .. و كبرياء الأسد و ترفعه عن أن يهاجم فريسته غدراً من الخلف و إنما دائماً من الأمام و مواجهة .. و لا يفترس إلا ليأكل .. و لا يفكر في أكل أو افتراس إلا إذا جاع ..
كل هذه أخلاق مفطورة في الحشوة الحية و في الحيوان ..
ثم الوفاء الزوجي عند الحمام ..
و الولاء للجماعة في الحيوانات التي تتحرك في قطعان ..
نحن أمام الأسس الأولى للضمير .. نكتشفها تحت الجلد و في الدم لم يعلمها معلم و إنما هي في الخلقة..
و نحن إذ نتردد قبل الفعل نتيجة إحساس فطري بالمسئولية .. ثم نشعر بالعبء في أثناء الفعل نتيجة تحري الصواب .. و نشعر بالندم بعد الفعل نتيجة الخطأ ..
هذه المشاعر الفطرية التي يشترك فيها المثقف و البدائي و الطفل ..هي دليل على شعور باطن بالقانون و النظام و أن هناك محاسبة .. و أن هناك عدالة .. و أن كل واحد فينا مطالب بالعدالة كما أن له الحق في أن يطلبها .. و أن هذا شعور مفطور فينا منذ الميلاد جاءنا من الخالق الذي خلقنا و من طبيعتنا ذاتها ..
ـــــــــــــــ
كتاب / رحلتي من الشك إلى الإيمان
Views: 0