تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في العالم؛ ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في العمارة الإسلامية من جهة، ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى، حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع الدنيا، لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية، حتى اعتبرت آية من في الهندسة المعمارية.
إن بناء قبة الصخرة هو من أهم معالم المسجد الأقصى المبارك، وقد شرع في إنشائه عبد الملك بن مروان، الخليفة الأموي الخامس، سنة 68 هـ 688 م، حول الصخرة المشرفة الواقعة على صحن مرتفع في وسط ساحة الحرم الشريف، وانتهى البناء سنة 72 هـ 691 م.
موضع الصخرة
الصخرة كتلة غير منتظمة من الصخر الطبيعي في وسط منطقة المسجد في القدس، أبعادها (1813متر)، وأقصى ارتفاع لها فوق أرض قبة الصخرة حوالي 1.5متر، وتحت الصخرة كهف مساحته حوالي 4.5م2، يتجه جانب الصخرة المنحدر إلى الشرق وجانبها المستقيم المرتفع إلى الغرب، وتظهر الصخرة فوق الكهف وكأنها معلقة بين الأرض والسماء.
منزلة قبة الصخرة
حينما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى عرج إلى السماء من عند القبة، ثم كانت قبلة المسلمين إليها، ثم تغيرت بناء على أمر من الله سبحانه وتعالى في العام الثاني من الهجرة إلى الكعبة المشرفة {نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، ولما قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بيت المقدس ووجد الصخرة مغطاة بالدمن (القمامة)، أمر برفعها، وبعدها انهمر المطر عليها غزيراً ثلاث مرات ثم أقام الصلاة فيها.
جذبت قبة الصخرة انتباه المسلمين منذ ذلك الحين حيث ظلت تعيش في وجدانهم، وفي وقت كانت فبه الكنائس والأديرة منتشرة في بيت المقدس وأصبح للمسلمين عقيدة حية في قلوبهم صوب هذه الصخرة المقدسة وجاء الخليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله إلى الحكم ودارت أحداث سياسية أرخت بظلالها خلال النزاع بينه وبين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.
وكان عبد الملك بن مروان من خلفاء الدولة الأموية الذين اعتنوا بـ العمارة الإسلامية، بعد أن قطعت الفتوحات الإسلامية شوطاً كبيراً في إعلاء كلمة الإسلام وبدأ يظهر الفن الإسلامي الوليد الذي شب عن الطوق فأخذت المباني الإسلامية تأخذ منحىً جديداً في إظهار الجديد في روائع العمارة الإسلامية بين روائع البناء في قباب وأقبية الكنائس والأديرة في القدس .
بناء قبة الصخرة
بنى قبة الصخرة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/ 684-705م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/ 685م، وتم الفراغ منها سنة 72هـ/ 691م. وقد أشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان فلسطين، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس [2].
فقد فكر عبد الملك بن مروان رحمه الله في أن يغطي هذه الصخرة المقدسة بنوع من البناء يتناسب وقباب المدينة المرتفعة، حتى يخلد ويحافظ على هذا الأثر المقدس، في وقت كثر فيه البناؤون والمزخرفون مع ثراء الدولة الأموية، وكان هذا هو دافعه الحقيقي، ولم يكن دافعه كما ذكر البعض في بناء قبة الصخرة ليحول إليها الحجيج عن الكعبة المشرفة، فهو خليفة المسلمين ويعلم بل ويحافظ على أركان الإسلام.
وقد قيل: إن عبد الملك بن مروان حين فكر في بناء قبة عالية تغطي الصخرة رصد لبنائها خراج مصر لسبع سنين، وحين أنفقت هذه الأموال على البناء بقي منها مائة ألف دينار، فأمر عبد الملك بن مراون بها جائزة للرجلين المشرفين على البناء وهما رجاء بن حيوة الكندي ويزيد سلام فرفضا قائلين: “نحن أولى أن نزيد من حلي نسائنا فضلاً عن أموالنا فاصرفه في أحب الأشياء إليك”، فأمر عبد الملك بأن يصنع منها صفائح ذهبية تكسى بها القبة من الخارج.
وتعد قبة الصخرة من الناحية المعمارية أقدم أثر إسلامي باقٍ، ساهم فيه مهندسون وفنانون جلبهم عبد الملك بن مراون من مختلف البلاد الإسلامية وحتى غير الإسلامية ليبنوا أثراً رائعًا، وجلب لها المواد من كل بلد تميز فيه، ومن هنا كان لتأثيرات العمارة البيزنطية وضوحًا على هذا الأثر بجانب بعض التأثيرات الفنية الساسانية في زخارفها.
قبة الصخرة
وصف وتخطيط قبة الصخرة
يأخذ تخطيط قبة الصخرة شكل مثمَّن خارجيّ، به أربعة مداخل محورية يتقدم كلاً منها سقيفة محمولة على أعمدة، يليها مثمَّن داخليّ مكون من دعائم رئيسة، وبين كل دعامتين عمودان يكوِّنان ثلاثة عقود تكون في مجموعها أربعة وعشرين عقداً داخل هذه التثمينة، دائرة من الأعمدة والأكتاف مكونة من أربعة دعائم كبيرة بين كل دعامة وأخرى ثلاثة أعمدة تحمل ستة عشر عقداً مدبباً، وقد صنعت القبة من الخشب وغطيت من الخارج بطبقة من الرصاص، ويوجد بالرقبة 16 نافذة، وقد أحاطت الدائرة بالصخرة حتى يمكن الطواف حولها.
وهناك كثير من الآراء التي تذهب إلى فعل التأثير المعماري البيزنطي في ذلك الوقت على هذه القبة إذ إنه من المعروف أن أكثر ما يميز العمارة البيزنطية هو بناء القباب الشاهقة الارتفاع، وهو أمر يمكن قبوله في بداية نشأة هذا النوع من القباب الضخمة عند بدء تشييد العمائر الإسلامية الجديدة، وهو أمر لا يعيب العمارة الإسلامية في بدايتها، فكل الفنون تتواصل تأثيراتها ومعطياته حتى تتسم بشخصيتها المستقلة وطرازها الجديد بل إن بعض علماء العمارة الإسلامية ذهبوا إلى رد أصولها المعمارية الأولى إلى تأثير العمارة الرومانية
تجديد بناء قبة الصخرة
اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات الطبيعية، مثل الهزات الأرضية والعواصف والأمطار والحرائق. فلم يتأخر أي خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها.
زمن الخلافة العباسية
ففي سنة 216هـ/ 831م، زار الخليفة العباسي المأمون (1988-218 هـ/ 813 – 8333م) بيت المقدس، وكان قد أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب فأمر بترميمه وإصلاحه، والأمر تطور على ما يبدو ليصبح مشروع ترميم ضخم اشتمل على قبة الصخرة المشرفة، مما حدا بالمأمون أن يضرب فلساً يحمل اسم القدس لأول مرة في تاريخ مدينة القدس وذلك في سنة 217 هـ كذكرى لإنجاز ترميماته تلك.
وفي سنة 301 هـ/ 913م في عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله تمت أعمال ترميمات خشبية في قبة الصخرة، اشتملت على إصلاح قسم من السقف وكذلك عمل أربعة أبواب خشبية مذهبة بأمر من أم الخليفة المقتدر، حيث تم الكشف عن ذلك من خلال شريط كتابي مكتوب بالدهان الأسود وجد على بعض الأعمال الخشبية في القبة، حيث كتب عليها ما نصه: “بسم الله الرحمن الرحيم، بركة من الله لعبد الله جعفر الإمام المقتدر بالله أمير المؤمنين حفظه الله لنا، مما أمرت به السيدة أم المقتدر بالله نصرها الله، وجرى ذلك على يد لبيد مولى السيدة، وذلك في سنة إحدى وثلاثمائة”
زمن الدولة الفاطمية
وفي الفترة الفاطمية تعرضت فلسطين لهزات أرضية عنيفة: منها التي حدثت سنة 407 هـ/ 10166م، والتي أدت إلى إصابة قبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة الكبيرة [5]، حيث بدئ بترميمها في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (386 – 411هـ/ 996-1021) واستكمل في عهد ولده الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله (411-427هـ/1021-1036م). وقد اشتملت الترميمات على القبة وزخارفها وتمت على يدي علي بن أحمد في سنة 413هـ/1022 م، وذلك حسب ما ورد في الشريط الكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة .
الاحتلال الصليبي
لقد عانت قبة الصخرة كثيراً مثلما عانت معظم المساجد الإسلامية في فلسطين من الاحتلال الصليبي،
فعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493هـ/ 10999م، قاموا بتحويل مسجد قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت بذلك الوقت باسم “هيكل السيد العظيم”، فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرة مذبحاً ووضعوا فيها الصور والتماثيل. مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنه المقدسة.
زمن الدولة الأيوبية
ولم يشأ الله عز وجل أن يطيل معاناة قبة الصخرة المشرفة من ذلك الاحتلال الغاشم، حتى هيأ سبحانه وتعالى القائد الجليل صلاح الدين الأيوبي (564 – 589 هـ/ 1169-1199م) لتحرير فلسطين واستردادها من الصليبيين سنة 5833 هـ/ 1187م.
وبذلك تطهرت قبة الصخرة المشرفة من النجس الذي كان عالقاً بها، حيث قام صلاح الدين بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم التي وضعوها عليها، فقد قام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة وترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب ما نجده اليوم مكتوباً من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي جاء فيه ما نصه : “بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة”.
هذا ولم يغفل المجاهد صلاح الدين عن متابعة مبنى قبة الصخرة والحفاظ عليها، فنراه قد رتب للمسجد إماماً وعين لخدمته سدنة ووقف عليه الوقوفات لكي ينفق ريعها لصالح قبة الصخرة المشرفة.
وقد استمر الأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها، حيث تشير المصادر التاريخية [8] إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد باستمرار لتظل نظيفة معطرة، كما أن الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين (589-595 هـ/ 1193-1198م)، قام بوضع الحاجز الخشبي الذي يحيط الصخرة لحمايتها بدلاً من الحاجز الحديدي الذي وضعه الصليبيون .
زمن دولة المماليك
وفي الفترة المملوكية لم ينس سلاطين المماليك متابعة الاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها. فقد قام السلطان الملك الظاهر بيبرس (658 – 676هـ/ 1260 – 12777م) بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسو الأقسام العلوية الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك سنة 699 هـ/ 1270م [9].
أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفي فترة سلطنته الثالثة (709 –741هـ/ 1309-13400 م) والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك الذين اهتموا بالإنجازات المعمارية بصورة عامة، مثله مثل الوليد بن عبد الملك في الفترة الأموية، فقد قام السلطان الناصر بن قلاوون بأعمال صيانة وترميم عديدة في قبة الصخرة نذكر منها: تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في سنة 718 هـ/ 1318م)، وكما أنه قام بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها.
وفي عهد السلطان الملك الظاهر برقوق وفي فترة سلطنته الأولى (784-791هـ/ 1382 –1389م)، تم تجديد دكة المؤذنين الواقعة إلى الغرب من باب المغارة مقابل الباب الجنوبي (القبلي) لقبة الصخرة، وذلك في سنة 789هـ/ 1387م) على يدي نائبه بالقدس محمد بن السيفي بهادر الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس وناظر الحرمين الشريفين، حسب ما ورد في النص التذكاري الموجود عليها .
وفي عهد السلطان الملك الظاهر جقمق (842 – 857هـ/ 1438 – 1453م)، تم ترميم قسم من سقف قبة الصخرة الذي تعرض للحريق إثر صاعقة عنيفة [10].
وقد حافظ سلاطين المماليك على استمرارية صيانة وترميم قبة الصخرة والحفاظ عليها إما عن طريق الترميمات الفعلية أو عن طريق الوقوفات التي كانت بمثابة الرصيد المالي الدائم لكي يضمن النفقات والمصاريف على مصلحة مسجد قبة الصخرة المشرفة. فعلى ما يبدو أنه في حال لم يكن هناك ترميمات، اهتم السلاطين برصد الأموال اللازمة لها في حين الحاجة، فنجد السلطان الملك الأشرف برسباي (825-8411هـ/ 1422-14377م)، قد أمر بشراء الضياع والقرى ووقفها لرصد ريعها للنفقة على قبة الصخرة المشرفة [11].
زمن الدولة العثمانية
نستطيع القول أن تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة قد دخل مرحلة جديدة وطويلة في فترة الدولة العثمانية التي استمرت أربعة قرون، حيث لم تنقص أهمية المحافظة والصيانة لقبة الصخرة، بل قل إنها زادت وتضاعفت .
فكان أول سلاطين العثمانيين الذين اهتموا بقبة الصخرة ورعايتها، هو السلطان سليمان القانوني (926-974هـ/ 15200-15666م)، الذي استطاع أن يصبغ قبة الصخرة بالفن العثماني من خلال مشروعه الكبير المشار إليه في نقشه التذكاري الموجود فوق الباب الشمالي لقبة الصخرة، والذي اشتمل على استبدال الزخارف الفسيفسائية التي كانت تغطي واجهات التثمينة الخارجية والتي ظلت قائمة منذ الفترة الأموية، فترة تأسيس وبناء قبة الصخرة وحتى الفترة العثمانية، وقد استبدلت بالبلاط القاشاني المزجج والملون في سنة 959هـ/ 1552م، مما أكسب قبة الصخرة روعة وجمالاً فائقين من الخارج كما هي من الداخل . كما قام بتجديد النوافذ الجصية الواقعة في رقبة القبة وذلك في سنة 945هـ/ 1538م .
ولقد حرص سلاطين العثمانيين بشدة خلال فترات توليهم الطويلة على استمرارية الحفاظ على مسجد قبة الصخرة، حتى أنهم قاموا بتشكيل لجنة لتختص بشؤون إعمار قبة الصخرة والمسجد الأقصى، تألفت من شيخ الحرم وأمين البناء وأمين الدفتر.
ومن مشاريع الترميمات العثمانية المهمة تلك التي أنجزت في عهدي السلطانين عبد المجيد الأول (1255-1277 هـ/ 1839-1861م)، والسلطان عبد العزيز (1277-1293هـ/ 1861-1876م)، حيث تم إنجاز أعمال ترميمات ضخمة استمرت مدة من الزمن، كلفت خزينة الدولة أموالاً طائلة، حيث استدعي خبراء ومهندسون من خارج البلاد لتقوية وصيانة المبنى الأساسي للقبة وزخارفها من الداخل والخارج.
وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1293-1327 هـ/ 1876-19099م)، تم كتابة سورة (يس) الموجودة حالياً في أعلى واجهات التثمينة الخارجية، وقد كتبت بالخط الثلث على القاشاني، كما أمر السلطان عبد الحميد بفرش مسجد قبة الصخرة المشرفة بالسجاد الثمية.
ومن الجدير بالإشارة إلى القبة الصغيرة التي تقوم إلى الغرب من مدخل المغارة والتي على ما يظهر أنها أضيفت في الفترة العثمانية والتي عرفت بحجرة شعرات النبي عليه السلام، وقد قال المؤرخ المقدسي الجليل عارف العارف بخصوصها ما نصه: “.. وقد عهد إلى آل الشهابي من الأسر القديمة في بيت المقدس بمهمة الاحتفاظ بهاتين الشعرتين من شعر النبي، ويحتفل القوم بها مرة في كل سنة، .. في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان..”.
المجلس الإسلامي الأعلى
هذا وقد أخذ المجلس الإسلامي الأعلى على عاتقه مسؤولية الحفاظ على قبة الصخرة المشرفة، حيث قام في الفترة ما بين 1936-1948م، بأعمال الترميم اللازمة والضرورية فيها مستعيناً بالخبراء والمختصين في هذا المجال .
وقد استمرت الترميمات في العهد الأردني، حيث سنت الحكومة الأردنية في سنة 1954م، قانون أسمته (قانون إعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة لسنة 1954م)، خولت فيه مجلس الوزراء تعيين لجنة لإعمار المسجدين. ومنذ ذلك الحين وحتى هذا اليوم واللجنة تقوم بمسؤولياتها تجاه إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة [13].
زخرفة قبة الصخرة
وإذا كانت قبة الصخرة في غاية الأهمية من الناحية المعمارية فهي في غاية الأهمية أيضاً من الناحية الزخرفية، ففي هذه القبة أقدم الزخارف الإسلامية المؤرخة والتي يؤرخها كتابة أثرية بأسلوب الفسيفساء، حيث كانت هذه الزخارف تغطي أرضية المبنى وجدرانه بما في ذلك منطقة القبة أو رقبتها من الداخل والخارج، وقد استطاع الفنانون تكوين أشكال زخرفية بديعة كانت هي الأولى من نوعها في الفن الإسلامي من فصوص صغيرة أو مكعبات دقيقة من الزجاج والحجر وصفائح من الصدف، ألصقت على طبقة من الجص أفقية واستخدام فصوص مذهبة أيضاً زادت من قيمة وجمال هذا العمل الفني، وبألوان ودرجات مختلفة هي: الأخضر والأزرق والأحمر والفضي والرمادي والبنفسجي والبني والأبيض والأسود على خلفية ذهبية اللون.
وقد جمعت زخارف الفسيفساء في قبة الصخرة بين التكوين الزخرفي الذي يناسب المسافات المعمارية على الجدران وبين الشكل الزخرفي الذي يتناسب مع الموضوعات الزخرفية البنائية والهندسية بجانب الأشرطة الكتابية، وجاءت الموضوعات الزخرفية البنائية من نخيل وأشجار وجذوع وسيقان وثمار الفاكهة وخاصة عراجين التمر وعناقيد العنب، في تنوع شديد بجانب العناصر الهندسية، وقد ظهر على مثل هذه الأشكال الزخرفية التأثير الفني الساساني إلى حد كبير مع بداية ظهور العناصر الفنية الإسلامية الجديدة البحتة.
هذا بجانب ما تمتاز به قبة الصخرة من أشرطة كتابية لآيات قرآنية كريمة من الفسيفساء وكتابة تحمل تاريخ التجديد الذي تم عمله زمن الخليفة المأمون العباسي وإن ظهر تزوير في النص الكتابي، فالذي بني هذه القبة عبد الملك بن مروان سنة 72هـ، ولكن الذي حدث أن نزع بعض عمال المأمون قراميد صفراء ووضعوا بدلاً منها قراميد زرقاء تحمل اسم المأمون مكان اسم عبد الملك بن مروان ولم يغيروا تاريخ البناء في عام 72هـ الذي بقي شاهداً على هذا التغيير في اسم مشيد البناء الأصلي، وقد وضع عمال المأمون تاريخ تجديدهم عام 216هـ في موضع آخر نظراً لضيق المساحة التي تحمل تاريخ سنة 72هـ.
هذا وقد أسهب المؤرخون في وصف قبة الصخرة وصفاً دقيقًا لا يتسع المقام لذكره، ومن هؤلاء: ابن الفقيه وابن عبد ربه وناصري خسرو والإدريسي والهروي ومجير الدين والسيوطي وغيرهم
صحن قبة الصخرة المشرفة
المقصود بصحن قبة الصخرة هو الساحة الخارجية أو الباحة التي تحيط بمبنى قبة الصخرة، والتي ترتفع عن أرضية الحرم الشريف 12قدم (4م). ويتوصل إليها عن طريق مراق (درج)، توجت بقناطر حجرية تتألف من مجموعة عقود حجرية تقوم على أعمدة رخامية عرفت باسم “الموازين”. وقد أشار المقدسي إلى وجود أربع مراق في صحن الصخرة، حيث يقول في وصفه للمسجد الأقصى ما نصه: ” والصحن كلّه مبلّط يقصد الحرم الشريف وسطه دكة يقصد فناء الصخرة مثل مسجد يثرب يصعد إليها من الأربع جوانب في مراق واسعة ..” ، وأما ابن الفقيه فقد أشار إلى وجود ست مراق تؤدي إلى صحن الصخرة.
فمن المحتمل أن تاريخ تأسيس وبناء هذه الموازين يعود للفترة الأموية، حيث صممت لتفي بالغرض الجمالي والهندسي وهو مَلءُ الفراغ الموجود في صحن قبة الصخرة ليتجانس مع مخططها الهيكلي من جهة، وللغرض التوجيهي وهو الإشارة والدلالة إلى مداخلها من جهة أخرى
يبلغ عدد هذه الموازين أو القناطر أو البوائك (جمع بائكة) ثمانية، حيث مرت هذه البوائك في مراحل ترميم مختلفة تراوحت بين الصيانة والترميم إلى إعادة بنائها من جديد.
تقوم أيضاً على صحن الصخرة المشرفة مجموعة من القباب، تعود تواريخ نشأتها إلى فترات إسلامية مختلفة ومتتابعة، كما تقوم في الجهة الشمالية لصحن قبة الصخرة مجموعة غرف صغيرة تعرف بالخلاوي (جمع خلوة)، أقيمت في صف واحد، حيث تم إنشاؤها في الفترة العثمانية .
إن قبة الصخرة أثر هام في تاريخ العمارة الإسلامية مرتبط في قلب كل مسلم وفي عقيدته بالإسراء والمعراج، وهي في العمارة الإسلامية أقدم أثر باق يشهد على نشأة فن العمارة الإسلامية وعلى جمال زخرفة هذا الفن الجديد، وقبة الصخرة أثر يشهد لبانيه خليفة المسلمين الأموي عبد الملك بن مروان –رحمه الله- بجهده ويوضع لبنة أولى في صرح العمارة الإسلامية,
Views: 1