يعاني العالم اليوم كاملاً من مشكلة أخلاقيّة بامتياز، وليست في أجزاء معيّنة من العالم كما يحاول البعض تصوير ذلك، إنّما في العالم كله من غربه لشرقه ومن شماله إلى جنوبه، وهذه المعاناة الأخلاقيّة ناتجة أساساً عن انتشار الظلم الاجتماعيّ، وشيوع الأفكار الرأسمالية الجشعة التي لم تدع للناس مجالاً للتنفس،
فغالبيّة سكان الأرض اليوم مدينون للبنوك، هذا عدا عن أشكال العبودية الجديدة من عمالة الأطفال واستغلالهم في أبشع أنواع الاستغلال، إلى امتهان المرأة واستغلال جسدها أيضاً في أنواع قذرة وبشعة من الاستغلال، بالإضافة إلى انتشار العصابات المسلّحة المؤدلجة منها وغير المؤدلجة، هذا عدا عن امتهان الخدم، وشيوع المهن الرخيصة الدنيئة، وانعدام فرص التعليم في مناطق العالم النائية، وانحصار رؤوس الأموال في يد قلة قليلة جداً من سكان الكرة الأرضية والعديد من المشاكل والمصائب الأخرى. إن ما ينتشر اليوم من إرهاب مرتبط بالدين بغض النظر عن هذا الدين، جعل الناس ينفرون عموماً من الأديان، وجعل المدّ الإلحاديّ المادّي يمتد أكثر وأكثر، فبعض الناس اليوم صاروا يتجنّبون حتى مجرد التفكير في الدين،
أي دين، كونه صار مرتبطاً بالقتل، والتدمير، والتفجير، والسحق باسم الإله، وباسم المقدس. المنطق يقول أنه لو اتبعت الأديان فعلاً هذه الوسائل لما كانت فعلاً تستحق الاعتناق، لكن الأديان عموماً أسمى من ذلك وأرقى وهي التي تكافح المظاهر الرأسمالية، ومشكلة انعدام الأخلاق بتعاليمها السامية الرفيعة لهذا فهي تتعرض على الدوام للتشويه الممنهج، وهذا ليس ضرباً من ضروب الترويج لنظرية المؤامرة لكنه واقع يجب تداركه من أتباع الأديان كافّة قبل أن يقع المحظور ويصبح أتباع الأديان أقلّية في هذا العالم.
بما أنّ الديانة الإسلامية من جملة الأديان التي تتعرّض اليوم لهذه الهجمة الشرسة من قبل معتنقيها أولاً، ومن قبل المؤثّرات الخارجية ثانياً، فإن الدعوة إلى هذه الفكرة العظيمة لم يعد اليوم ممكناً بالطرق التقليدية التي صارت في هذه العالم أقرب إلى الساذجة منها إلى الواقعية والمنطقية. الدعوة إلى الديانة الإسلامية، لا تكون فقط من خلال عقد الجلسات التي يقال عنها أنّها دعوية في المساجد والأماكن العامّة، ولا تكون أبداً من خلال التخلّص من الواجبات والأعمال اليوميّة والتفرّغ للتنقل من منطقة إلى أخرى من أجل بث الأفكار فقط،
ولا تكون فقط من خلال الملصقات الدينيّة التي نجدها أينما التفتنا، ولا تكون من خلال إلحاق أسماء المنشآت بكلمة الإسلاميّ أو الإسلاميّة، ولا تكون أيضاً من خلال القنوات الدينيّة التي لا يقبل عليها إلا صنف من الممتدينين فقط، ولا تكون بأي وسيلة أخرى من هذه الوسائل التي أضرّت بعض منها بالدين الأسلامي أكثر ممّا نفعته. بما أنّ العالم اليوم بحاجة إلى الأخلاق، وبما أنّ الديانة الإسلامية تحمل تعاليم روحية وأخلاقية بامتياز،
يجب أن تنعكس هذه الأخلاق وهذه التعاليم على تصرفات المسلمين، فتصرّفات المسلمين اليوم وللأسف توحي للآخرين أنّ تعاليم الدين الإسلامي خالية من أي شيء سوى من الصلاة، والصيام، والحج،
والعمرة، فلا يوجد أدنى انعكاس للمفاهيم الأخلاقية التي تحملها الفكرة الإسلامية العظيمة على حياة الناس. الدعوة إلى الإسلام يجب أن تكون ضمنية من خلال التصرّفات، إذ يجب الابتعاد عن التصريح بذلك،
فالناس صاروا ينفرون في كثير من الأحيان من هذا الطريقة، فالتصرّفات والأخلاق الصادرة عن الإنسان هي التي يجب أن تكون الناطق الرسميّ والوحيد عن المسلم، وحتى لو لم تؤثر أخلاق المسلم في الآخر لدرجة تجعله فيها يدخل في الإسلام، فإنها حتماً ستؤثر فيه لدرجة تجعله مدافعاً وربما مدافعاً شرساً عن الإسلام إذا ما تهجّم أيّ شخص على الدين الإسلامي،
فكثير من الأوروبيين اليوم يدافعون عن الإسلام أكثر من المسلمين أنفسهم، ويحترمون حق المسلمين في العبادة، وفي نيل التعليم الذي يستحقونه والذي يحتاجونه ولكن وسائل الإعلام الهدامة وللأسف لا تظهر هذا النمط من تفكير الآخر.
كيفية دعوة غير المسلمين بالأخلاق:
تكافل المسلمين مع بعضهم البعض أولاً، بغض النظر عن مذاهبهم الإسلامية التي يعتنقونها، فذلك أدعى إلى نشر صورة أصفى وأنقى عن المسلمين، فكافة بكافة مذاهبهم يعبدون إلهاً واحداً، ويؤمنون برسالة واحدة، وبنبي واحد، ويعتقدون بالأنبياء الآخرين ويجلونهم ويعلون من قدرهم، ويؤمنون بالملائكة، وبالكتب السماوية كلها، وباليوم الآخر، ويصومون رمضان،
ويحجّون البيت، وهذا يكفي لوحدتهم، فكل ما تبقى يمكن القول عنه أنّه من الثانويات التي لا يجب أن تكون لها الأولوية في تعامل المسلمين مع بعضهم البعض، ولتحصر هذه الخلافات الثانوية بين أهل العلم من كافة المذاهب.
الابتعاد بعداً تاماً وكاملاً عن طريقة الدعوة إلى الدين الإسلامي على أنقاض الأديان والمذاهب الأخرى، فالمسلم لا يحتاج حتى يمتدح دينه وتعاليمه السمحة إلى أن يهدم الأديان الأخرى مهما كانت، فهذه الطريقة في الدعوة لم تجلب للمسلمين إلا كل ما هو سيء، فالمسلم الحقيقي هو الذي يبحث عن النقاط المشتركة بينه وبين الآخرين ليزيد من ارتباطه بهم،
وإن لم يجد هذه النقاط المشتركة احترم حق الآخرين في التعبير عن أفكارهم ومعتقداتهم بحرية تامة.
رفض أيّة أعمال طائفية تفرق بين المسلمين، والاعتناء بتطور البلدان الإسلامية والعربية ونهضتها، والاعتناء بالترتيب والنظام والنظافة في هذه البلدان، فذلك أدعى لعكس صورة حسنة الديانة الإسلامية. رفض المسلمين كافة مظاهر الإرهاب باسم الدين الإسلامي رفضاً مطلقاً، فالإرهابيون هم قلة قليلة جداً من عدد ضخم جداً من المسلمين المسالمين الذين يعيشون اليوم على الأرض، إلا أنّهم مؤثّرون جداً في تحويل الرأي العالمي ضدّ الإسلام، فالإنسان العادي مهما كان معتقده يتأثر بالتطبيق العملي للفكرة أكثر من تأثره بالفكرة نفسها حتى لو لم تطبق الفكرة كما ينبغي. احترام الآخرين بشتّى أنواعهم، وأصنافهم، ومذاهبهم، ومحبّتهم والتعاطف معهم في مصائبهم وملماتهم، وعدم الدعاء على العالمين من على الخطب والمنابر، بل الدعاء لهم بالرحمة وانتشار السلام بينهم، تماماً كما فعل رسول صلى الله عليه وسلم عندما أتاه الملك يستأذنه بأن يطبق الأخشبين على سكان الطائف ومكة بعد أن آذوه، حيث قال: (إن الله بعثنى رحمة ولم يبعثنى نقمة، وإنى أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يُشرك به شيئاً)، ثم رفع يديه إلى السمآء وقال:
(اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون)، فالناس إجمالاً يستحقّون الرحمة والهداية والسلام حتى لو اختلفوا معنا في الدين أو الفكرة أو المعتقد، ذلك أنّ الإنسانية هي التي تجمّع سكان الأرض، ولا فرق بين إنسان وإنسان آخر، فكلنا أبناء آدم وآدم من تراب.
Views: 8