لقد كان هارون الرشيد من أنبل الخُلفاء، وأحشم الملوك، ذا حجًّ وجهاد، وغزوٍ وشجاعةٍ ورأي. وكان أبيض طويلاً، جميلاً، وسيماً، إلى السَّمن، ذا فصاحة وعلمٍ وبصرٍ بأعباء الخلافة، وله نظر جيد في الأدب والفقة، قد وَخَطَه الشَّيب. قيل: إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وُعِظ. وكان يحب المديح، ويجيز الشعراء، ويقول الشعر. وقد دخل عليه مرة ابن السماك الواعظ، فبالغ في إجلاله، فقال: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعَظَهُ، فأبكاه. ووعظه الفُضَيل مرةً حتى شهق في بكائه.
من اقوال هارون الرشيد,
يا أيتها الغمامة أمطري حيث شئتِ، فإن خراجكِ لي.
من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم.. إن الجواب ما ترى، لا ما تسمع.
من شاور كثر صوابه.
كل ذهب وفضة الأرض لا يبلغ ثمن نخلة في البصرة.
انقل المعركة إليهم، ولا تدعهم يحضرونها إليك.
اهتمام هارون الرشيد بالعلماء,
كان الرشيد مثقفا ثقافة عربية واسعة وكان يملك أدبًا رفيعًا وتذوقًا للشعر، لذلك قيل: كان فهم الرشيد فهم العلماء. وكانت مجالسه تملأ الشعراء والعلماء والفقهاء والأطباء والموسيقيين، وكان كثيرًا ما يناقش العلماء والأدباء، كذلك كان ينقد الشعر والشعراء. كان يقول: “البلاغة، التباعد عن الإطالة، والتقرب من معنى البغية، والدلالة بالقليل على المعنى”، قال عنه الذهبي: “وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه لا سيما إذا وعظ” ويقول الخطيب البغدادي: “وكان يحب الفقه والفقهاء، ويميل إلى العلماء”، ومن أشهر الأدباء الذين عاصروا الرشيد وحضروا مجالسه الشاعر أبو العتاهية وأبو سعيد الأصمعي. ومن علماء الدين الذين عاشوا في عصره الإمام الشافعي صاحب المذهب الشافعي والإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي في الفقه الذي التقى بالرشيد حين قصد الخليفة منزله بالمدينة المنورة وقرأ عليه الإمام كتاب الموطأ وعلى الصعيد العلمي، دعم الرشيد عالم الكيمياء المشهور جابر بن حيان وأسس وتلامذته منهج التجربة في العلوم.
كان العلماء يبادلونه التقدير، روي عن الفضيل بن عياض أنه قال: (ما من نفس تموت أشد علي موتًا من أمير المؤمنين هارون، ولوددت أن الله زاد من عمري في عمره)، فقال في ذلك أحد أصحاب الفضيل: (فكبر ذلك علينا فلما مات هارون الرشيد وظهرت الفتن، وكان من ذلك في عهد المأمون عندما حمل الناس على القول بخلق القرآن قلنا الشيخ كان أعلم بما تكلم).
Views: 0