وكانت أمُّ فراس تأخذ النَّاقة وراء الخيام، وترجع بعد لحظات تحمل إناءً كبيراً من الحليب، وتقول لإبنها:”شكراً لك يا فراس..اخترت اليوم مرعىً جيِّدا، وأكلت الجمال والنَّاقة من العشب الأخضر حتَّى شبعت..
كنت بحقِّ راعياً طيِّباً يا فراس!”.
وفي بعض الأحيان كان فراس يكسل عن المشي الطَّويل، ولا يأخذ الجمال والنَّاقة إلى الوادي البعيد الذي به العشب والماء، ويريطها إلى نخلة قريبة، ثمَّ يجري ويلعب مع أصحابه، وعندما يعود في المساء تأخذ أمُّه النَّاقة كالعادة خلف الخيام ثمَّ ترجع ومعها إناء اللَّبن وتصيح في إبنها غاضبةً: “فراس..
لقد كنت اليوم تلعب، ولم ترعى الجمال والنَّاقة كما يجب… أنت مهمل
– يا فراس – وتستحقُّ العقاب”.
كان فراس يحزن لغضب أمِّه، وكان يفكِّر كثيرا ويقول لنفسه: “كيف تعرف أمِّي الحقيقة دائماً؟ كلّ يوم تأخذ النّاقة خلف الخيام، وتبقى معها قليلاً، ثم تعود لتشكرني أو لتلومني أو تعاتبني… لا بدّ أنّ في الأمر سرّا.. ليس هناك غبر النّاقة… فهي التي تحكي لأمّي كلّ شيء، وتخبرها كلّ يوم بما فعلت… لكن!.. هل تعرف أمّي لغة النّاقة حقا؟ إنّ هذا أمر عجيب..!”.
ولم يكن فراس يسكت.. بل كان ينتقم من النّاقة، فهو يعرف جيدا ما يضايقها.. كان فراس يخفي عن النّاقة ولدها الجمل الصغير… فتحزن النّاقة وتبكي، وتمتنع عن الطعام.. إلى أن يعيد لها ابنها.
ذات يوم.. جاء ضيوف من قبيلة أخرى، وأراد أبو فراس أن يكرمهم. نادى الأب فراسا، وطلب منه أن يحضر الجمل الصغير ابن النّاقة ليذبحوه ويطعموا الضّيوف. حزن فراس وبكى بشدّة، وقال لأبيه:”لا – يا أبي – أترك الجمل الصغير،
فأنا أحبه ولا يمكنني أن أستغني عنه. اذبح أمّه النّاقة بدلا منه… فهي تستحق الذبح،.
لأنها تخبر أمي كل يوم بما أعمل لتعاقبني”.
سمعت الأم كلام ابنها، وقالت له وهي تضمه إلى صدرها:
“لا يا بني.. النّاقة لا تقول لي شيئا، ولكني أعرف الحقيقة من لبنها، فإن أنت رعيتها جيدا، وسرت بها إلى الوادي حيث العشب الأخضر الطري والحشائش الخضراء امتلأ ضرعها وأعطتنا حليبا كثيرا، أما إذا أهملتها وكسلت، وفضلت اللعب مع أصحابك وتركت النّاقة بلا مرعى، عادت إلي بحليب قليل… هل فهمت الآن – يا بني
– كيف أعرف ما تفعله كل يوم؟!”.
ابتسم فراس وقال:”ما أظلمني!!
لقد كنت أسيء معاملة النّاقة طوال هذه المدة واتهمها بالباطل ! !”.
فقال الأب”والآن.. أسرع يا بني، وأحضر الجمل الصغير حتى نذبحه ونطعم ضيوفنا، وإن شاء الله، فسوف تلد لك النّاقة جملا صغيرا أجمل منه”.
كان فراس يتألم وهو يسوق الجمل الصغير إلى أبيه، لكنه كان يدرك كذلك أنّ إكرام الضّيف واجب، وأن قبيلته يجب أن تظل رافعة الرّأس بين جاراتها القبائل.
Views: 0