كيف يسمح الله للاشرار بتمرير شرّهم؟
قال صاحبي ساخراً ( وكان الحديث لمصطفى محمود )
” كيف تزعمون أن إلهكم كامل ورحمن ورحيم وكريم ورءوف وهو قد خلق هذه الشرور في العالم .. المرض والشيخوخة والموت والزلزال والبركان والميكروب والسم والحر والزمهرير وآلام السرطان التي لا تعفي الطفل الوليد ولا الشيخ الطاعن .
إذا كان الله محبة وجمالا وخيرا فكيف يخلق الكراهية والقبح والشر؟؟!! “
ونحن نقول :
إن الله كله رحمة وكله خير وأنه لم يأمر بالشر ولكنه سمح به لحكمة .
)إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ،قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ((الأعراف:28-29
الله لا يأمر إلا بالعدل والمحبة والإحسان والعفو والخير وهو لا يرضى إلا بالطيب.
فلماذا ترك الله الظالم يظلم والقاتل يقتل والسارق يسرق ؟!
لأن الله أرادنا أحرارا .. والحرية اقتضت الخطأ، ولا معنى للحرية دون أن يكون لنا حق التجربة والخطأ والصواب .. والاختيار الحر بين المعصية والطاعة .
وكان في قدرة الله أن يجعلنا أخيار، وذلك بأن يقهرنا جميعا على الطاعة قهرا ..
وكان ذلك يقتضي أن يسلبنا حرية الاختيار.
وفي دستور الله وسنته أن الحرية مع الألم أكرم للإنسان من العبودية مع السعادة ..
ولهذا تركنا نخطئ ونتألم ونتعلم، وهذه هي الحكمة في سماحة الشر .
ومع ذلك فإن النظر المنصف المحايد سوف يكشف لنا أن الخير في الوجود هو القاعدة وأن الشر هو الاستثناء .
فالصحة هي القاعدة والمرض استثناء .. ونحن نقضي معظم سنوات عمرنا في صحة ولا يزورنا المرض إلا أياما قليلة ..
وبالمثل الزلازل، هي في مجملها بضع دقائق في عمر الكرة الأرضية الذي يحصى بملايين السنين ..
وكذلك البراكين، وكذلك الحروب التي هي تشنجات قصيرة في حياة الأمم بين فترات سلام طويلة ممتدة .
ثم إننا نرى لكل شيء وجه خير، فالمرض يخلف وقاية، والألم يربي الصلابة والجَلَد والتحمل ، والزلازل تنفس عن الضغط المكبوت في داخل الكرة الأرضية، وتحمي القشرة الأرضية من الانفجار، وتعيد الجبال إلى أماكنها كأحزمة وثقالات تثبت القشرة الأرضية في مكانها، والبراكين تنفث المعادن والثروات الخبيئة الباطنة، وتكسو الأرض بتربة بركانية خصبة ..
والحروب تدمج الأمم وتلقح بينها وتجمعها في كتل وأحلاف..
وأعظم الاختراعات خرجت أثناء الحروب.. البنسلين ، الذرّة ، الصواريخ ، الطائرات النفاثة .. كلها خرجت من أتون الحروب .
ومن سم الثعبان يخرج الترياق . ومن الميكروب يصنع اللقاح .
ولولا أن أجدادنا ماتوا لما كنا الآن في مناصبنا ..
والشر في الكون كالظل في الصورة إذا اقتربت منه خيل إليك أنه عيب ونقص في الصورة .. ولكن إذا ابتعدت ونظرت إلى الصورة ككل نظرة شاملة اكتشفت أنه ضروري ولا غنى عنه.. وأنه يؤدي وظيفة جمالية في البناء العام للصورة .
وهل كان يمكننا أن نعرف الصحة لولا المرض ..
إن الصحة تظل تاج على رؤوسنا لا نراه ولا نعرفه إلا حينما نمرض .
وبالمثل: ما كان ممكنا أن نعرف الجمال لولا القبح، ولا الوضع الطبيعي لولا الوضع الشاذ.
ولهذا يقول الفيلسوف أبو حامد الغزالي: إن نقص الكون هو عين كماله، مثل اعوجاج القوس هو عين صلاحيته، ولو أنه استقام لما رمى .
وظيفة أخرى للمشقات والآلام:
أنها هي التي تفرز الناس وتكشف معادنهم .
لولا المشقة ساد الناس كلهم *** الجود يفقر والإقدام قتال ..
إنها الامتحان الذي نعرف به أنفسنا .. والابتلاء الذي تتحدد به مراتبنا عند الله .
ثم إن الدنيا كلها ليست سوى فصل واحد من رواية سوف تتعدد فصولها، فالموت ليس نهاية القصة ولكن بدايتها .
ولا يجوز أن نحكم على مسرحية من فصل واحد ولا أن نرفض كتابا لأن الصفحة الأولى لم تعجبنا .
الحكم هنا ناقص … ولا يمكن استطلاع الحكمة كلها إلا في آخر المطاف ..
ثم ما هو البديل الذي يتصوره السائل ؟
هل يريد أن يعيش حياة بلا موت بلا مرض بلا شيخوخة بلا نقص بلا عجز بلا قيود بلا أحزان بل آلام ؟ هل يطلب كمالا مطلقا ؟ ولكن الكمال المطلق لله .
والكامل واحد لا يتعدد .. ولماذا يتعدد .. وماذا ينقصه ليجده في واحد آخر غيره .
معنى هذا أن صاحبنا لن يرضيه إلا أن يكون هو الله ذاته ؛ وهو التطاول بعينه .
ودعونا نسخر منه بدورنا .. هو وأمثاله ممن لا يعجبهم شيء ..
هؤلاء الذين يريدونها جنة . ماذا فعلوا ليستحقونها جنة ؟
وماذا قدم صاحبنا للإنسانية ليجعل من نفسه الله الواحد القهار الذي يقول للشيء كن فيكون؟
إن جدتي أكثر ذكاء من الأستاذ الدكتور المتخرج من فرنسا، بينما تقول في بساطة:
” خير من الله شر من نفوسنا ” .
إنها كلمات قليلة ولكنها تلخيص أمين للمشكلة كلها ..
فالله أرسل الرياح وأجرى النهر ، ولكن ربان السفينة الجشع ملأ سفينته بالناس والبضائع بأكثر مما تحتمل ، فغرقت ، فمضى يسب الله والقدر ..
وما ذنب الله .. الله أرسل الرياح رخاء وأجرى النهر خيرا .. ولكن جشع النفوس وطمعها هو الذي قلب هذا الخير شرا,
ما أصدقها من كلمات جميلة طيبة: ” خير من الله شر من نفوسنا “
Views: 37