لقد كان هارون الرشيد رغم كل هذه الأعمال التي قام بها يشعر في قرارة نفسه بقلة الحيلة أمام المنافسات والتيارات الخفية في داخل مملكته، وأن نكبة البرامكة لم تكن حلًا للموقف، فهناك ولداه الأمين والمأمون يضمران النقمة لبعضهما البعض، ومن ورائهما حزبا العرب والعجم ينتظران خاتمة الرشيد ليستأنفا نضالهما من جديد، لذلك كان الرشيد في أواخر أيامه وحيدًا حزينًا يخفي علته عن الناس، إذ يؤثر عنه أنه كشف عن بطنه لأحد أصدقائه فاذا عليها عصابة من حرير ثم قال له: “هذه علة اكتمها عن الناس كلهم وكل واحد من ولدي علي رقيب، وما منهم أحد إلا وهو يحصي أنفاسي ويستطيل دهري”.
اشتدت العلة بهارون الرشيد وهو في طريقه إلى خراسان للقضاء على ثورة رافع ابن الليث وتوفي بمدينة طوس (مشهد الحالية في شمال شرق إيران) ودفن بها في جمادى الآخر في سنة 193 هـ / 809م)
ضريح هارون الرشيد
ذكر سالم الالوسي أن أحمد حسن البكر في بداية حكمه، طالب إيران باسترجاع رفات هارون الرشيد، كونه رمزًا لبغداد في عصرها الذهبي، وذلك بدعوة وحث من عبد الجبار الجومرد وزير الخارجية العراقي السابق في عهد عبد الكريم قاسم، ولكن إيران امتنعت، وبالمقابل طلبت استرجاع رفات الشيخ عبد القادر الجيلاني،
كونه من مواليد كيلان في إيران، وعندها طلب الرئيس من مصطفى جواد بيان الأمر، فأجاب مصطفى جواد: إن المصادر التي تذكر بأن الشيخ عبد القادر من مواليد كيلان في إيران، مصادر تعتمد رواية واحدة وتناقلتها بدون دراسة وتحقيق، أما الأصوب فهو من مواليد قرية تسمى (الجيل) قرب المدائن،
ولا صحة لكونه من إيران أو أن جده اسمه جيلان، وهو ما أكده حسين علي محفوظ في مهرجان جلولاء الذي أقامه اتحاد المؤرخين العرب وكان الألوسي حاضرًا أيضًا سنة 1996، وفعلًا أبلغت مملكة إيران بذلك ولكن بتدخل من دولة عربية أغلق الموضوع.
ويروى عن علي الرضا: “وكان موته بمدينة طوس، فصلى المأمون عليه ودفنه عند قبر أبيه الرشيد”. إنَّ المكان الذي فيه الضريح والذي كان سابقًا دارًا لحميد بن قحطبة الطائي أحد قواد أبي مسلم الخراساني، وعندما توفي هارون الرشيد عام 193هـ دفن في هذا المكان وأقام ولده المأمون على قبره قبة سميّت فيما بعد (القبة الهارونية).
ولما توفي الرضا مسمومًا، جيء بجثمانه ودفن بالقرب من قبر هارون الرشيد، والثابت أن ضريح هارون الرشيد في طوس (مشهد) مشترك مع ضريح علي الرضا.
Views: 43