ان الإحسان الأكثر كمالا هو الإحسان إلى الذات قبل كل شيء” على الأرجح أنكم سمعتم هذا المثل في مكان ما.
ماذا لو كان ذالك صحيحا؟ ماذا لو كان مفتاح النجاح و السعادة يقوم حقا على هذا الأساس، و على مدى إيماننا العميق بذواتنا ؟
إنه سؤال يطرحه الجميع : هل يعتبر فعلا تقدير الذات و السمو بها سبيلا نحو بناء شخصية سعيدة ؟
لا شك عزيزي القارئ أنك مثل الكل، تحاول باستمرار تطوير ذاتك، لإثبات جدارتك، و لتؤمن بأن كل طموحاتك يمكن أن تتحقق، شريطة أن تُعطاك الوسيلة.
يبدو أن أفضل طريقة لرؤية هذه الطموحات تتحقق هو أن تكون إيجابيا في حياتك، مع السعي إلى خلق الظروف المواتية لكي تعيش الارتياح الذاتي.
فالإحسان إلى الذات يكون بتقديرها و منحها قدرها و مكانتها، و السمو بها كي تصبح في أزهى المراتب.
في هذا الاتجاه يتوجب علينا توجيها تفكيرنا، والتحقق من هذه الفلسفة في واقعنا اليومي… وهذا هو موضوع مقالتنا اليوم…
يبدو هذا الكلام جيدا على المستوى النظري، ويبدو أننا مقتنعين بأن مفتاح النجاح والسعادة هو إثبات الذات والتفكير الإيجابي، فماذا عن المستوى العملي؟ وكيف يمكن تجسيد هذا الكلام في الواقع اليومي؟
ابدأ بطرح سؤال : كيف للتفكير الايجابي أن يغير حياتي؟
1. حاول أن تثري ثقافتك بأن تتعلم شيئا جديدا يوميا :
دماغك هو مثل حساب بنكي يجب أن تضع فيه المزيد ليكبر وينمو، لهذا يجب أن تأخذ العزم من الآن أن تكون لك استراتيجية لتتعلم شيئا جديدا يوميا، ومن الأفضل أن تحدد المواضيع الذي ستتعلمها في هذا اليوم وفي اليوم الموالي وهكذا…
واختيار المواضيع يتوقف عليك، على ما هي المجالات التي تشعر أن ثقافتك ضعيفة فيها، وإلا فكن قارئا نهما يلتهم كل شيء، اقرأ الادب والفلسفة والفكر والتاريخ والعلوم المختلفة…
فأن تضع استراتيجية تكتشف من خلالها أمورا جديدة لن تضرك في شيء، ولكنها حتما ستنفعك وستجعلك تطور مهاراتك وأساليبك في الحياة، وبالتالي ترسيخ ثقتك في ذاتك…
صحيح أنه قد يبدو من الصعب أن نجد الوقت والاستعداد النفسي لاستراتيجية من هذا القبيل، نظرا لتعقيدات الحياة المعاصرة، ولكن الثقة بالنفس تحتم أن لا نستسلم للواقع بل تدعونا الى الإبداع فيه… واليك بعض الطرق لكي تُـــنزل هذه الإستراتيجية في واقعك اليومي.
رافق أشخاص ذوي ثقافة واسعة: لعلك لاحظت أخي القارئ أن الأشخاص الذين يتميزون بثقافة واسعة ليسوا محدودي النظر، بالتالي يجدون الحلول ببساطة، عكس محدودي الثقافة… يجب إذن مرافقة اناس مثقفين، يتعلمون باستمرار.
اكتب قائمة بالمواضيع التي ترغب في تعلمها: لا شك أن هذه الطريقة ستشعرك بالتزام تجاه نفسك، وستزيد شهوة القراءة والبحث لديك..
حاول أن تحمل معك كتابا علميا، رواية، ديوانَ شعر، مجلة على الدوام… أن تنصت الى برنامج حواري تثقيفي أو متابعة وثائقي… خاصة وأن الأمر قد أصبح سهلا ومتاحا مع التطور المطرد في الأجهزة اللوحية… حاول أخي القارئ أن تستفيد من هاتفك الذكي الذي أصبح يتيح لك إمكانات متعددة بهذا الشأن.
حاول أن تطبق ما تعلمته.
احذر التعصب لما تعلمته واقتنعت بصوابيته، لأن كل شيء نسبي… والتعصب يكبح التعلم ويجعلك محدودا…
حاول أن تبحث عن لذة القراءة…
لا تترك يومك يمر دون أن تخصص فيه وقتا محددا للتعلم، اجعله وقتك المقدس…
2. نمي تفكيرك الايجابي انطلاقا من انتقادات الآخرين.
سأعطيك عزيزي القارئ مثالا واقعيا عشته في طفولتي ، فكثيرا ما واجهت انتقادات حادة من بعض أقاربي من قبيل: “أنت فاشل” “عديم الفائدة” “لا تصلح لشيء” “أنت لا تتقن عملك” “وجودك عالة على الأرض”… وهكذا
فكوننا نعيش في محيط اجتماعي متنوع ومختلف، بحيث كل عنصر من عناصره لـــه نمط تفكيره وعقليته وخاصياته النفسية والإدراكية الخاصة، وهذا ما يجعل إرضاء الكل أمرا صعبا للغاية، إن لم نقل مستحيلا…
أن تتلقى الانتقادات من محيطك عزيزي القارئ أمر طبيعي، ليس بالضرورة لأنها حقا تنطبق عليك، ولكن لأنه من الصعب كما قلنا إرضاء الجميع.
وكلما تلقيت هذا النوع من المعاملة بشكل رتيب كلما ازدادت خطورته، إذا لم تحسن التصرف العقلاني معه، فالانتقادات قد تتسرب الى عقلك الباطن بسرعة رهيبة، ومن تم تسيطر عليه وتبرمجه بالطريقة الخاطئة التي تؤدي بك إلى اليأس من نفسك والاحباط…
لذلك كلما تلقيتَ مثل هذه الانتقادات حاول أن تصنع منها حافزا، لتثبت للمنتقدين أنك قادر على النجاح والانجاز بإبداعية…
لما لا تجعل من انتقاداتهم الباكورة الأولى للثقة بالذات؟؟؟…
علينا أن نؤمن بالفلسفة التي تقرر بأنه يستحيل إرضاء جميع الناس ونيل إعجابهم، وذلك لاختلاف الطباع وأنماط التفكير وأساليب الحياة…
وهنا تبرز أهمية إثبات الذات والإيمان بها بين الذوات المختلفة… لأن من شأن الانسياق وراء ذوات الآخرين وتبني سلوكاتهم أن يُفقِدنا البوصلة، فهناك اناس لديهم أسلوب حياة خاطئ وسلوكات خاطئة، ولكنهم مؤمنون بها، ويتصرفون كما لو كانت صائبة، وقد يدفعوننا الى تبنيها ثم تناسي ذواتنا التي قد تكون هي التي على صواب.
لا ينبغي أن يُفهم من كلامنا هنا مجافاة الآخرين وإدارة الظهر لنصائحهم، لا أبدا، وإنما المقصود من كلامنا هو انتقاداتهم الهدامة، وما أكثرها. وهي ما يتعين ألا نتوقف عندها وألا ندعها تتدخل في بناء شخصيتنا…
خلاصة القول: حوّل ازدراء الآخرين وانتقاداتهم إلى حافز لإثبات ذاتك…
3. فكر بإيجابية عن طريق الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة
سأحصل على السعادة عندما أحصل على عمل جيد.. مسكن جيد.. زوجة جميلة .. سيارة فارهة وأبناء… الخ.
الكثير منا علق سعادته بالمستقبل وبالأحلام التي يراها كبيرة. وهذا من دون شك يجعله يعيش الحاضر بنكد وسُخط، ما يصرفه عن الانتباه الى التفاصيل الصغيرة التي يعيشها في حاضره، والتي من شأنها أن تدخل نور السعادة الى قلبه… وهذا لعَمري خطأ فادح يقع فيه الكثير من الناس.
ماذا لو انتبهتَ الى التفاصيل الصغيرة التي تحياها يوميا…
ماذا لو اعتنيت بأشيائك الصغيرة التي تمتلكها؟، هي من دون شك فاقدة للحياة، اذا كان كل تفكيرك أسيرا لدى الأحلام المستقبلية الكبيرة، ولكنك تستطيع أن تمنحها الحياة، فتمنحك شيئا من الرضا والتفاؤل…
صدقني أخي القارئ لستُ هنا بصدد بيعك الوهم، أو محاولة مواساتك على وضعيتك الحرجة، لا أبدا… وإنما أنا بصدد حَـــثّــك على اكتشاف عالمك الصغير والاستمتاع به. خلاصة القول : المستقبل بيد الله ولكن اسْعَ إليه من دون التنكيد على حاضرك.
هناك نوع آخر من التفاصيل التي من شأن الغوص فيها أن ينكد علينا حياتنا، ولعله هو المقصود من المقولة الغربية الشائعة ‘الشيطان يكمن في التفاصيل”.
إذ هناك أشخاص مهووسون بالتفاصيل وبالبحث عن الجانب المظلم من الأمور، فتجدهم مثلا مشغولين بتأويل كلام وسلوكات أقربائهم وأصدقائهم… لماذا قال لي هكذا، لماذا قال تلك الكلمة ولم يقل أخرى، أكيد هو يلمح الى… لماذا نظر أو نظرتْ اليَّ بتلك الطريقة، لماذا لا ينظر في عيني عندما يحدثني… الخ.
إن الانشغال المفرط بمثل هذه التفاصيل يعكر صفو الحياة ويحولها الى جحيم، ويجعل مواقفك وقراراتك تنبني على الأوهام، في الواقع هذا النوع من التفاصيل هو حقل خصب لنمو الأوهام، ولا أعتقد أن هناك أخطر من أن تتأسس حياة شخص على الوهم.
4. فكر بإيجابية في تقييـــم ذاتك
من السهل تقييم الآخرين، من السهل وضع حياتهم على الطاولة وتشريحها، ومن السهل أن نفتي عليهم ما يجب أن يفعلون لتغيير حياتهم نحو الأفضل. لكن من الصعب أن نعمل على تقييم ذواتنا في الوقت الذي تحتاج فيه تقييما من أجل اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تطور الذات وتغير مسارها…
صعوبة تقييم الذات تكمن في :إلى أي مدى نلتزم بالموضوعية، وهذا يعني أن تجد التوازن بين تضخيم ذاتك والشعور بأنك قريب من الكمال، وبين تضخيمك لأخطائك وسلبياتك وتركيزك على الأشياء التي لا تملكها.
أنت مطالب أن تتجرد من انطباعاتك الأولية عن نفسك، وأن تخرج منها لتنظر إليها بعين الآخرين الذين ليسوا ضدك طبعا.
عندما تشعر أنك وصلت الى النفق المسدود وأن المسار الذي تسير فيه لا يناسب ذاتك وطموحاتك، لا تقف لتندب حظك، فالمجال دائما مفتوح لتغيير المسار.
واليك عزيزي القارئ قاعدة ذهبية، وهي التقييم من أجل التقويم قبل التقييم من أجل التغيير الجدري. في كل لحظة استشعرت خللا ما في حياتك، توقف لتطرح السؤال: أين أنا؟ أين أقف؟ هل هذا الخلل يتطلب تغيير المسار أم يتطلب فقط عملية تصحيحية بسيطة…
تذكر…دائماً
الله وهب الآخرين كل شيء… ووهبك ذاتك فَاسْمُـــو بها…
Views: 105