< >
قصة هارون الرشيد الخليفة العباسي → نجوم سورية
القائمة إغلاق

قصة هارون الرشيد الخليفة العباسي

هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي القرشي (149 هـ – 193 هـ)، الخليفة العباسي الخامس. ولد في مدينة الري عام 149 هـ (766) وتوفي في مدينة طوس (مشهد اليوم) عام 193 هـ (809). بويع بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي عام 170 هـ وكان عمره آنذاك 22 سنة. وأمه الخيزران بنت عطاء وهي أم ولد يمانية جرشية.

يعتبر هارون الرشيد من أشهر الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكرا حتى في المصادر الأجنبية كالحوليات الألمانية في عهد الإمبراطور شارلمان التي ذكرته باسم (ارون)، والحوليات اليابانية والصينية التي ذكرته باسم (الون)، أما المصادر العربية فقد أفاضت الكلام عنه لدرجة أن أخباره قد امتزجت فيها حقائق التاريخ بخيال القصص، ولا سيّما كتاب “ألف ليلة وليلة” التي صورته بالخليفة المسرف في الترف والملذات، وأنه لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمور ومراقصة الغانيات. والواقع أن هذا الخليفة كان من خيرة الخلفاء فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وذكر أنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وعظ. وقد تم فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعم الرخاء وكثر الخير بما لا نظير له ثم إن هذا الخليفة كان حسن السيرة والسريرة.

كذلك كان يصور بصورة الخليفة الحذر الذي يبث عيونه وجواسيسه بين الناس ليعرف أمورهم وأحوالهم، بل كان أحيانًا يطوف بنفسه متنكرًا في الأسواق والمجالس ليعرف ما يقال فيها. والواقع هذه الصورة المتباينة للرشيد ما هي إلا انعكاس للعصر الذي عاش فيه بمحاسنه ومساوئه، وهو العصر العباسي الأول أو العصر الذهبي للإسلام. وقد تميز عصره بالحضارة والعلوم والازدهار الثقافي والديني، وأسس المكتبة الأسطورية بيت الحكمة في بغداد، وبدأت بغداد خلال فترة حكمه بالازدهار كمركز للمعرفة والثقافة والتجارة.

حياة هارون الرشيد قبل الخلافة,

هارون الرشيد هو ابن الخليفة محمد المهدي من زوجته الخيزران بنت عطاء التي كان لها نفوذ كبير في الدولة، ولد هارون عام 149 هـ (766م) في مدينة الري التي أصبحت جزءاً من إقليم الجبال في فترة الدولة العباسية. وكان والده واليًا على المدينة. تربى الرشيد مع أولاد الأمراء والقادة في الدولة العباسية ومع إخوته بالرضاعة، الفضل وجعفر أولاد يحيى البرمكي الذي صار له مكانة عظمى بالدولة العباسية، وفي عام 151 هـ وبعد وفاة جعفر الابن الأكبر للخليفة أبو جعفر المنصور عادت أسر المهدي إلى بغداد، وقد أصبح المهدي وليًا للعهد. وعاش الرشيد طفولة هادئة ومستقرة في ظلّ رعاية والده وجده، وكان ممن تولى تربيته وتعليمه عالم النحو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي الكوفي المعروف (الكسائي)، الذي ظل معه حتى وفاته ثم صار أيضًا معلمًا لابن الرشيد محمد الأمين. كما تولى تربيته وتعليمه المعلم المفضل الضبي الذي صنف للمهدي كتاب “المفضليات”.

في عام 158 هـ توفي أبو جعفر المنصور وأصبح المهدي في منصب الخلافة ودفع بابنه هارون للتدرب على الفروسية والرمي وفنون القتال، وقال محمد بن علي الخراساني: “الرشيد أول خليفة لعب بالصوّالجة والكرة، ورمى النشاب في البرجاس، وأول خليفة لعب بالشطرنج من بني العباس”.

عندما أصبح هارون شابًا يافعًا، عينه والده قائدًا في الجيش الذي يضم العديد من قادة الكبار وأمراء الدولة، وكان عمر هارون وقتها لا يتجاوز الخمس عشر عامًا، وخرج الجيش عام 163 هـ إلى أراضي الروم وتوغل فيها وأظهر هارون براعة في قيادته وحاصر قلعة رومية اسمها “سمالوا” ثمانية وثلاثين يومًا حتى انتهى الأمر بفتحها، وعاد الرشيد بالجيش سالمًا محملًا بالغنائم، فاستقبله أهل بغداد وكافأه المهدي بتوليته بلاد أذربيجان وأرمينية.

وفي عام 165 هـ تزوج الرشيد ابنة عمه زبيدة بنت جعفر، وبعد الزواج بفترة قصيرة، أرسله والده المهدي لقيادة جيش آخر لغزو الروم، مكون من 95,793 رجل. وصل جنود الرشيد خليج البحر المطل على القسطنطينية، وكانت حاكمتهم يومئذ أيرين زوجة أليون الملقبة (أغسطه)، وهي وصية العرش لابنها قنسطنطين البالغ من العمر تسع سنوات، فطلبت الصلح من الرشيد، بعد أن رأت القتل في الروم، على أن تدفع له سبعين ألف دينار كل سنة، فقبل ذلك منها وأرسلت معه الهدايا لوالده الخليفة المهدي وتعاهدت مع الرشيد على هدنة ثلاث سنين. فقال في ذلك مروان بن أبي حفصة:

أطفت بقسطنطينية الروم مسندا إليها القنا حتى اكتسى الذل سورها
وما رمتها حتى أتتك ملوكها بجزيتها والحرب تغلي قدورها

عاد هارون من تلك الغزوة إلى بغداد وقد فرح المهدي بانتصار ابنه وأطلق عليه لقب الرشيد، وأخذ له البيعة كولي للعهد بعد أخيه الأكبر موسى الهادي، فأصبح هارون الرشيد ولي العهد الثاني.

ولاية العهد ومبايعة أخيه الهادي,
كانت الخيزران تحب ابنها هارون، وترغب في تقديمه على أخيه الهادي في ولاية العهد لما رأته فيه من بطولة وذكاء وحكمة، بالرغم من كون الاثنين ولديها، ولأن الخليفة المهدي كان يحب الخيزران حبًا كبيرًا، فعزم على تنفيذ رغبتها ونقل ولاية العهد من ولده موسى الهادي إلى هارون الرشيد، فأرسل في طلب ولده الهادي للحضور لديه وكان مقيمًا في جرجان.

لكن الهادي علم أن أباه يريد خلعه من ولاية العهد، فلم يمتثل لأمر أبيه وظل مقيمًا في جرجان، فغضب المهدي منه وجهز جيشًا وتوجه إلى جرجان ومعه ابنه هارون الرشيد، لكنه توفي في ماسبذان. فصلى عليه هارون ودفنه. وأرسل هارون إلى أخيه الهادي بخاتم الخلافة وهنأه بالخلافة، وأخذ البيعة من الأمراء وقادة الجيش وعامة الشعب. وتسلم الهادي أمر الخلافة وتوجه إلى بغداد لممارسة مهام عمله وأخذ البيعة بنفسه وكان ذلك في عام 168 هـ. ولم تستمر مدة خلافته سوى سنة وثلاثة أشهر.

محاولة الهادي لخلع هارون من ولاية العهد
لم ينازع الرشيد أخاه الهادي من توليه الخلافة، ولم يدخل معه في صراع، لأنه يعلم أن الصراع على السلطة والحكم مِعول هدم للخلافة الإسلامية التي سعى العباسيون إليها، إلا أن أخاه الهادي أراد عزل الرشيد عن ولاية العهد وجعلها لابنه جعفر من بعده، وهذا يتطلب تنازل الرشيد عن ولاية العهد ومبايعة الولي الجديد.

أصبح الهادي ينتقد تصرفات أخيه الرشيد في مجالسه ويبدي عدم رضاه عنه، بل وطلب منه أكثر من مرة أن يتنازل عن ولاية العهد، فقد ذكر الطبري في تاريخه أن الهادي بعث إلى يحيى البرمكي، وكان أشد المناصرين للرشيد ليلا ولكن يحيى يشك أن الهادي سوف يقتله لدرجة أنه ودع أهله، وتحنط وجدد ثيابه، فلما أدخل عليه، قال له الهادي: يا يحيى، ما لي ولك! قَالَ: أنا عبدك يا أمير المؤمنين، فما يكون من العبد إلى مولاه إلا طاعته. قَالَ: فلم تدخل بيني وبين أخي وتفسده علي! قَالَ: يا أمير المؤمنين، من أنا حتى أدخل بينكما! إنما صيرني المهدي معه، وأمرني بالقيام بأمره، فقمت بما أمرني به، ثم أمرتني بذلك فانتهيت إلى أمرك، قَالَ: فما الذي صنع هارون؟ قَالَ: ما صنع شيئًا، ولا ذلك فيه ولا عنده. فسكن غضب الهادي.

وسبب هذا الحوار أن الهادي قد علم أن يحيى البرمكي كان يشجع الرشيد على عدم التنازل عن ولاية العهد، ولذلك تكرر تحذير الهادي له أكثر من مرة، إلا أن يحيى البرمكي ظل معاونًا للرشيد يشجعه على عدم التنازل عن ولاية العهد بعد أن رأى أن الرشيد لا يريد أن يدخل في صراع على السلطة والخلافة مع أخيه، وانتهى الأمر بأن أصدر الهادي أمرًا باعتقال يحيى البرمكي، فظل في السجن حتى وفاة الهادي وأخرجته الخيزران ليكون الوزير المقرب من الرشيد.

إخماد ثورات الخوارج و تصديه للفتن والثورات الداخلية,

ظهرت طائفة الخوارج أثناء القتال الذي جرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، واستمر خروج هذه الطائفة على خلفاء بني أمية وبني العباس، لكنهم لم يكونوا بالخطورة التي كانوا عليها في العصور السابقة أثناء عصر الرشيد لذلك سهل على الرشيد القضاء على ثوراتهم. كانت أول ثورة قام بها الخوارج قادها الفضل بن سعيد الحروري، لكنه قتل بعد فترة وجيزة من خروجه. ثم الصحصح الخارجي بالجزيرة فتصدى له والي الجزيرة، لكنه انهزم أمامه وسار الصحصح إلى الموصل فقاومه عسكر المدينة بباجرمي، لكنهم لم يتمكنوا منه وعاد إلى الجزيرة، فأرسل له الرشيد جيشًا لحقه بدورين فقتله وقضى على ثورته.

في سنة 178 هـ خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة فدخل إلى أرمينية وحاصر مدينة خلاط عشرين يومًا، فافتدوا منه أنفسهم بثلاثين ألفًا. ثم سار إلى أذربيجان ثم إلى أرض حلوان وأرض السواد، ثم عبر إلى غرب دجلة وقصد مدينة بلد وافتدى أهلها منه بمائة ألف، وبقي في أرض الجزيرة؛ فأرسل إليه الرشيد قائده يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني الذي واجه الوليد وانتصر عليه وقضى على ثورته وانتهت الأزمة بمقتل الوليد. في عام 179 هـ خرج حمزة بن أترك السجستاني وعظم أمره عام 185 هـ عندما عاث فسادًا في بادغيس بخراسان؛ فتصدى له عيسى بن علي بن عيسى وقتل الكثير من أعوانه وهرب حمزة إلى كابل. في سنة 191 هـ خرج ثروان بن سيف في سواد العراق فتصدى له طوق بن مالك مما أدى إلى فرار ثروان ولم يعد له من أثر يذكر.

إنهاء الفتن الداخلية
ظهرت حركات استقلالية في دولة الخلافة، ترغب في الاستقلال وتصدى لها الرشيد وقضى عليها. في سنة 178 هـ قامت طائفة من قيس وقضاعة على والي مصر فقاتلوه؛ فبعث لهم الرشيد هرثمة بن أعين فقاتلهم حتى أذعنوا له الطاعة وأدوا ما عليهم من الخراج، كذلك أخمد هرثمة فتنة قامت في أفريقيا بقيادة عبدويه الأنباري، وكان الفضل فيها يعود ليحيى البرمكي الذي كاتب عبدويه ووعده الأمان إن استجاب له فاستسلم عبدويه ووفى له يحيى بالأمان.

ظهرت بعض الفتن في عام 176 هـ في الشام بين القبائل المضرية واليمانية، ودامت المعارك بينهما دهرًا طويلًا؛ فأرسل الرشيد جيشًا أنهى تلك الفتنة عام 177 هـ. في عام 185 هـ خرج أبو الخصيب وهيب بن عبد الله النسائي واحتل أبيورد وطوس ونيسابور ثم هزم في مرو، وخرج إليه علي بن عيسى بن ماهان، وواجهه وقضى عليه عام 186 هـ.

هارون الرشيد والبرامكة,
لما ولي هارون الرشيد الخلافة عرف ليحيى فضله عليه فاستوزره وزارة تفويض وهي الوزارة التي تستغني عن تواقيع الخليفة، على عكس وزارة التنفيذ التي يباشرها الخليفة بنفسه. قام يحيى البرمكي بإدارة شؤون الدولة خير قيام وكان يساعده في ذلك ولَداه الفضل وجعفر، أما الفضل فقد كان إداري ماهر، وكانت مهارته في إخماد ثورة يحيى بن عبد الله العلوي دون أن يسفك دمًا، كذلك كان كريمًا سخيًا، وقد ولاه الرشيد بلاد المشرق (خراسان وطبرستان وأرمينيا وبلاد ما وراء النهر)، قام الفضل هناك بأعمال إنشائية عظيمة الشأن من حفر القنوات وبناء المساجد والزوايا فحسنت سيرته في تلك البلاد.

أما جعفر البرمكي وهو أصغر سنًا من الفضل، فقد ولاه الرشيد على الجزيرة والشام ومصر وأفريقية، وكان محبوبًا لدى الرشيد فاستبقاه في بغداد كي يكون قريبًا منه، وهذه الثقة الكبيرة التي أولاها الرشيد لجعفر البرمكي جعلت له نفوذًا في الدولة.

أعطى الرشيد البرامكة سلطات واسعة، وأفسح لهم المجال في الإشراف على جميع مرافق الحياة العامة: في الإدارة والعلوم والفنون.

نكبة البرامكة,

يقول المؤرخ مصطفى جواد في موقفه من البرامكة: “لعل أغرب ما وهم فيه المؤرخون، فعمى عليهم سبب تدمير هارون الرشيد للبرامكة أنهم عدوا بني برمك دعاة للعلويين، والمشكلة التاريخية إذا استبهم جانب منها تشعبت فيها الظنون واختلفت الآراء واضطربت الأحكام. ولو علم المؤرخون أن البرامكة تقربوا إلى الرشيد بالسعي على العلويين والسعي بهم وتبغيضهم لوجدوا إلى سبب تلك الفتكة الهامشية سبيلًا، وعلى الجلية دليلًا، وعلموا أنهم إنما حق عليهم العذاب ودمرهم الله تدميرًا، بل وإن السبب الحقيقي وراء قضاء هارون الرشيد عليهم، هو تدبيرهم لقتل موسى بن جعفر، وولوغهم في دماء بني علي، وطلبوا الزلفى بتعذيبهم وأعلوا مراتبهم بخفض العصبية الهاشمية واجتثاث الشجرة النبوية. ولقد جرؤوا بإلحادهم وسوء سيرتهم أن جعفرهم حز رأس حبيسه العلوي عبد الله الشهيد بن الأفطس، في يوم النوروز وأهداه إلى الرشيد في طبق الهدايا، فلما رفعت المكبة من فوق الطبق ورأى الرشيد رأس بن عمه استعظم ذلك، فقال له جعفر: ما علمت أبلغ في سرورك من حمل رأس عدوك وعدو آبائك إليك. وكان الرشيد قد حبسه عند جعفر وأمره بأن يوسع عليه. وقال ذات يوم: اللهم أكفنيه، على يد ولي من أوليائي وأوليائك. فلم يجد هذا الشقي الكفاية إلا بقتله صبرًا، لا سيف يذود به عن نفسه ولا بنو علي حوله يحوطونه ويكلآونه ولا شفيع يرد عنه بؤم الزنادقة، وهو الذي شهد وقيعة “فخ” متقلدًا سيفين يذود بهما عن سيده. فلما أسر، أخذه الرشيد وحبسه عند جعفر، فضاق صدره بالحبس، وكتب إلى الرشيد رقعة يشتمه فيها شتمًا قبيحًا، فلم يلتفت الرشيد إلى ذلك، لأنه عالم بالعزة العلوية والاستبسال الهاشمي، ولم يأمر إلا بالتوسع عليه والترفيه عنه فكان من أمره مع جعفر البرمكي ما كان”، ويقول المؤرخ فاروق عمر فوزي في تبعات هذه التفصيلة “ويظهر أن الرواة خلطوا في رواياتهم بين يحيى الحسني وموسى الكاظم، حيث نسبت المناظرات وظروف القتل مرة إلى الأول ومرة إلى الثاني، ولعل معاصرتهما للرشيد وتقارب زمن وفاتهما أدت إلى هذه الشبهات بين الرجلين”.

وفاة هارون الرشيد,

كان الرشيد رغم كل هذه الأعمال التي قام بها يشعر في قرارة نفسه بقلة الحيلة أمام المنافسات والتيارات الخفية في داخل مملكته، وأن نكبة البرامكة لم تكن حلًا للموقف، فهناك ولداه الأمين والمأمون يضمران النقمة لبعضهما البعض، ومن ورائهما حزبا العرب والعجم ينتظران خاتمة الرشيد ليستأنفا نضالهما من جديد، لذلك كان الرشيد في أواخر أيامه وحيدًا حزينًا يخفي علته عن الناس، إذ يؤثر عنه أنه كشف عن بطنه لأحد أصدقائه فاذا عليها عصابة من حرير ثم قال له: “هذه علة اكتمها عن الناس كلهم وكل واحد من ولدي علي رقيب، وما منهم أحد إلا وهو يحصي أنفاسي ويستطيل دهري” واشتدت العلة بالرشيد وهو في طريقه إلى خراسان للقضاء على ثورة رافع ابن الليث وتوفي بمدينة طوس (مشهد الحالية في شمال شرق إيران) ودفن بها في جمادى الآخر في سنة 193 هـ / 809م).

ضريح هارون الرشيد,
لقد ذكر سالم الالوسي أن أحمد حسن البكر في بداية حكمه، طالب إيران باسترجاع رفات هارون الرشيد، كونه رمزًا لبغداد في عصرها الذهبي، وذلك بدعوة وحث من عبد الجبار الجومرد وزير الخارجية العراقي السابق في عهد عبد الكريم قاسم، ولكن إيران امتنعت، وبالمقابل طلبت استرجاع رفات الشيخ عبد القادر الجيلاني، كونه من مواليد كيلان في إيران، وعندها طلب الرئيس من مصطفى جواد بيان الأمر، فأجاب مصطفى جواد: إن المصادر التي تذكر بأن الشيخ عبد القادر من مواليد كيلان في إيران، مصادر تعتمد رواية واحدة وتناقلتها بدون دراسة وتحقيق، أما الأصوب فهو من مواليد قرية تسمى (الجيل) قرب المدائن، ولا صحة لكونه من إيران أو أن جده اسمه جيلان، وهو ما أكده حسين علي محفوظ في مهرجان جلولاء الذي أقامه اتحاد المؤرخين العرب وكان الألوسي حاضرًا أيضًا سنة 1996، وفعلًا أبلغت مملكة إيران بذلك ولكن بتدخل من دولة عربية أغلق الموضوع. ويروى عن علي الرضا: “وكان موته بمدينة طوس، فصلى المأمون عليه ودفنه عند قبر أبيه الرشيد”. إنَّ المكان الذي فيه الضريح والذي كان سابقًا دارًا لحميد بن قحطبة الطائي أحد قواد أبي مسلم الخراساني، وعندما توفي هارون الرشيد عام 193هـ دفن في هذا المكان وأقام ولده المأمون على قبره قبة سميّت فيما بعد (القبة الهارونية). ولما توفي الرضا مسمومًا، جيء بجثمانه ودفن بالقرب من قبر هارون الرشيد، والثابت أن ضريح هارون الرشيد في طوس (مشهد) مشترك مع ضريح علي الرضا.

صفات هارون الرشيد,
كان من أنبل الخُلفاء، وأحشم الملوك، ذا حجًّ وجهاد، وغزوٍ وشجاعةٍ ورأي. وكان أبيض طويلاً، جميلاً، وسيماً، إلى السَّمن، ذا فصاحة وعلمٍ وبصرٍ بأعباء الخلافة، وله نظر جيد في الأدب والفقة، قد وَخَطَه الشَّيب. قيل: إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات، ويتصدق بألف، وكان يحب العلماء، ويعظم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه، لا سيما إذا وُعِظ. وكان يحب المديح، ويجيز الشعراء، ويقول الشعر. وقد دخل عليه مرة ابن السماك الواعظ، فبالغ في إجلاله، فقال: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعَظَهُ، فأبكاه. ووعظه الفُضَيل مرةً حتى شهق في بكائه.

Visits: 103

هل اعجبتك المقالة شاركنا رأيك